عزو الواعظ والداعية الحديث النبوي إلى كتاب لا يَشترط الصحة

السؤال
أحسن الله إليكم، إذا أسند الواعظ أو الداعية الحديث إلى كتاب لا يَشترط الصحة، أو أسند عن شيخ، فهل تبرأ بذلك ذمته، أو لا بد من أحد أمرين: البحث والتصحيح بنفسه، أو عدم ذكره إلا من كتاب صحيح؟
الجواب

جاء في الحديث كما في (مقدمة مسلم) «مَن حدَّث عني بحديث يَرى أنه كذب -وفي الرواية الأخرى: «يُرى أنه كذب»- فهو أحد الكاذبين» [1/ 8]، واختلاف الضبطين يُحمِّل الخطيب والداعية والمعلم ومَن يريد نفع الناس المسؤولية والتبعة في البحث عن الأحاديث، فإذا حدَّث بحديث لا يعرف درجته فرآه غيره أنه كذب وقع في الخبر «فهو أحد الكاذبين»، فعلى هذا لا بد من التثبت، والخبر إذا كان في كتاب لم تُلتزم فيه الصحة فلا بد من النظر في حكمه، فإذا خرَّج من (البخاري) أو (مسلم) فلا يحتاج أن يقول: (صحيح)، لكن إذا أورد حديثًا من (سنن أبي داود) أو (الترمذي) أو (النسائي) أو (ابن ماجه) أو من (مسند أحمد) أو (موطأ مالك) أو غير ذلك، فلا بد أن يكون في حيِّز القبول، بأن يكون صحيحًا أو حسنًا، فلا يكفي أن يُلقيه على الناس من غير تمييز لدرجته، وإذا كان الناس في أول الأمر تبرأ ذمة محدِّثهم بذكر السند؛ لأن الزمن زمن إسناد، والمستمع مجرَّد ما يسمع هذا الإسناد يعرف أن الخبر صحيح أو ضعيف، فإنه بعد ذلك لا بد مع ذكر الإسناد أن تُبيَّن أحوال الرواة أو يُكتفى بالحكم على الخبر، لكن بحكم يفهمه السامع، فلو جاء بحديث في خطبة جمعة ثم قال: (وهذا حديث متواتر)، هل يعرف عامة الناس ما معنى متواتر؟ ما يعرفون، وكذا لو جاء بحديث وقال: (هذا الحديث مختلف فيه) أو (فيه كذا وكذا)، فلا بد من وضع النقاط على الحروف بالنسبة لعامة الناس، وإذا خفي أمر الأحكام على بعض مَن ينتسب إلى العلم فلا بد من البيان الواضح الشافي لعامة الناس، والحافظ العراقي سُئل عن حديث فقال: لا أصل له مكذوب على النبي -عليه الصلاة والسلام-، فانبرى له شخص ممن ينتسب إلى العلم من العجم وقال: كيف تقول -يا شيخ-: مكذوب، وهو موجود في كتب السنة بالأسانيد؟ فقال له: أحضره؛ لننظر في إسناده، فأحضره من (موضوعات ابن الجوزي)! فعامة الناس هل يكفي أن يُقال لهم على المنبر: (هذا الخبر موضوع)؟ وهل يعرفون الموضوع؟ لا يعرفون الموضوع، فلا بد من البيان الذي تبرأ به الذمة، بحيث يفهمه السامعون كلهم، فهولاء تعجَّبوا من كون هذا الرجل لا يعرف موضوع الموضوع، وهذا ليس بعجب، فالرجل أعجمي، وإن كان له يد في بعض العلوم، لكن كون الإنسان يُعرف بعلم من العلوم لا يعني أنه متقن لجميع العلوم، فقد يخفى عليه بدهيات علوم أخرى، وهذا شأن الاختصاص والتخصص، أما مَن تفنَّن في العلوم كلها فإن مثل هذا لا شك أنه يدرك من العلوم ما يخرج به من معرَّة مثل هذا النقد.