كتاب الصلاة من المحرر في الحديث - 02

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سم.

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين والمستمعين.

قال الإمام ابن عبد الهادي في محرره:

باب: مواقيت الصلاة

عن عبد الله بن عمر أن نبي الله -صلى الله....

ابن عمرو، عن عبد الله بن عمرو، ما في واو عندك؟

عن عبد الله بن عمرو أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر إذا زالت الشمس، وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس، ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق، ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط، ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة، فإنها تطلع بين قرني شيطان)).

وفي لفظ: ((وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق)) رواه مسلم.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" متفق عليه.

وعن رافع بن خديج قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه والنسائي وأبو حاتم وابن حبان، ورواه الطحاوي ولفظه: ((أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: أعظم لأجوركم)).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها، فقالت: رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر، وأشد ما تجدون من الزمهرير)) متفق عليه.

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: "كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" وفي رواية: "إلى قباء" متفق عليه.

وفي رواية البخاري: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه.

وعن رافع بن خديج قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" متفق عليه.

وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: ((إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي)) وفي رواية: "لولا أن يشق" رواه مسلم.

وعن سيار بن سلامة، قال: دخلت أنا وأبي على أبي برزة الأسلمي فقال له أبي: كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي المكتوبة؟ فقال: "كان يصلي الهجير التي تدعونها الأولى حين تدحض الشمس، ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حية، ونسيت ما قال في المغرب، وكان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة، وكان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها، وكان ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه، ويقرأ بالستين إلى المائة".

وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس مرتفعة، والمغرب إذا وجبت، والعشاء أحياناً وأحياناً إذا رآهم اجتمعوا عجل، وإذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصليها بغلس" متفق عليه.

يكفي، بركة، حسبك.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب: مواقيت الصلاة

المواقيت جمع ميقات وهو الوقت المحدد لهذه الصلوات المفروضة، وجاء في ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] يعني مفروضاً في الأوقات التي جاءت مجملة في القرآن، مبينة مفصلة في السنة، جاء إجمالها في القرآن، وجاء تفصيلها بالسنة، فأول ما جاء التفصيل والتبيين في السنة في حديث جبريل حينما أم النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد فرض الصلاة في يومين أمه في اليوم الأول في أوائل الأوقات، وفي اليوم الثاني أمه في أواخرها، وجاء أيضاً بيانها في حديث من جاء يسأل عن أوقات الصلاة، فقال له: أقم، فصلى مع النبي -عليه الصلاة والسلام- يومين، صلى في اليوم الأول في أوائل الأوقات، وفي اليوم الثاني في أواخرها، وقال: الوقت ما بين هذين، وجاء أيضاً تفصليها في حديث عبد الله بن عمرو المذكور في صدر الباب وغيره مما ذكره المؤلف، وكان على المؤلف أن يذكر حديث إمامة جبريل؛ لأنه أول أحاديث المواقيت، نعم فيه مخالفة ومعارضة لبعض ما جاء في أحاديث الباب، لكن لا يعني أن ذكر الخبر أنه يلزم منه أن يرجح جميع ما فيه؛ لأن حديث إمامة جبريل متقدم، وننظر ما بينه وبين حديث عبد الله بن عمرو من اتفاق أو اختلاف.

في الحديث الأول يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"عن عبد الله بن عمرو -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((وقت الظهر))" يعني وقت صلاة الظهر ((إذا زالت الشمس)) زالت يعني مالت، زالت الشمس يعني مالت إلى جهة المغرب، وصار لها ظل يعني قدر زائد على فيء الزوال، إذا زالت الشمس، زالت وهو وقت الدلوك المذكور في قول الله -جل وعلا-: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [(78) سورة الإسراء] يعني زوالها، والزمخشري في الأساس، أساس البلاغة قال: إن وقت الزوال يسمى دلوك؛ لأن الشمس في وقته قوية جداً، إذا نظر إليها الناظر تؤمله عينه، فيحتاج إلى دلكها.

((وقت الظهر إذا زالت الشمس)) هذه بدايته ((وكان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر العصر)) يعني أوله إذا زالت الشمس، ونهايته إذا كان ظل الرجل كطوله، ما لم يحضر وقت العصر، ظل الرجل إلى جهة المشرق بعد زوال الشمس إن كان بقدر طوله طول الشاخص، سواءً كان رجل أو جدار أو عصى أو ما أشبه ذلك يعني مما له ظل، فقد انتهى وقت صلاة الظهر، ما لم يحضر وقت العصر، هذه بدايته وهذه نهايته، وفي قوله: ((ما لم يحضر وقت العصر)) دليل على أنه لا اشتراك بين وقتي صلاة الظهر والعصر، ما في اشتراك، يعني ينتهي وقت الظهر قبل دخول وقت صلاة العصر، يعني من غير فاصل، وفي حديث إمامة جبريل للنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله، فذهب من ذهب من المالكية إلى أن هناك وقت مشترك يصلح أن يكون لصلاة الظهر أداءً، ويصلح أن يكون للعصر أداءً، يعني بقدر أربع ركعات، هذا مشترك، تصلى فيه الظهر أداء، وتصلى فيه العصر أداء، ويدل عليه حديث إمامة جبريل -عليه السلام-؛ لأن مفهومه أنه صلى به العصر في اليوم الأول، والظهر في اليوم الثاني في وقت واحد حينما صار ظل الشيء كطوله، وهنا في حديث عبد الله بن عمرو وهو حديث مفصل مبين مفسر، يقول: ((ما لم يحضر العصر)) فدل على أنه لا اشتراك، فإما أن يقال: حديث عبد الله بن عمرو أصح؛ لأنه في مسلم، وحديث إمامة جبريل ليس في واحد من الصحيحين، فيرجح حديث عبد الله بن عمرو أو يقال: على سبيل الجمع أنه صلى به الظهر، يعني فرغ من صلاة الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء كطوله، فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل الشيء كطوله، وشرع في صلاة العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء كطوله فلا اشتراك، وهذا أفضل، الجمع أولى من الترجيح ((وصار ظل الرجل كطوله ما لم يحضر وقت العصر، ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)) يعني أول الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله ((ووقت العصر ما لم تصفر الشمس)) يعني من مصير ظل الشيء كطوله إلى أن تصفر الشمس، هذا ما عليه الجمهور أن وقت الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء كطوله، ويبدأ بعد ذلك مباشرة وقت العصر.

الحنفية يقولون: إن وقت العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، من مصير الشيء مثليه، ومنهم من يقول: أن وقت الظهر يمتد إلى مصير ظل الشيء مثليه فيدخل وقت العصر، ومنهم من يقول: إنه ينتهي عند مصير ظل الشيء مثله، ويكون الوقت ما بين المثل والمثلين ليس بوقت لا للظهر ولا للعصر، والعصر يبدأ على القولين من مصير ظل الشيء مثليه، هم يؤخرون العصر من أجل هذا، ويستمر الوقت إلى اصفرار الشمس، وهذا وقت الاختيار، وأما وقت الاضطرار فيستمر إلى غروب الشمس، وهو أداء إلى غروبها، أداء ما لم تغرب الشمس فهو أداء، لكن التأخير إلى وقت الاصفرار لا شك أنه فيه ما فيه، وقد أثم بعض العلماء من يؤخر إلى وقت الاصفرار من غير حاجة ولا ضرورة، وجاء في الحديث: ((من أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) وجاء أيضاً ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن وقت صلاة العصر ينتهي بغروب الشمس، وهنا ((ما لم تصفر الشمس)) هو محمول على وقت الاضطرار.

ما الذي حمل الحنفية أن يقولون: إن وقت صلاة العصر من مصير ظل الشيء مثليه؟

أولاً: من لفظ العصر فقد ذكر محمد بن الحسن في موطئه أن العصر إنما سميت عصر لأنها تعتصر، ويضيق عليها الوقت، وإذا قلنا: إنها من مصير ظل الشيء مثله صار وقتها طويلاً، وأيضاً حديث: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم كمثل من استأجر أجيراً إلى نصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً إلى وقت العصر بدينار، ثم استأجر أجيراً من العصر إلى غروب الشمس -إلى آخر النهار- بدينارين)) فاليهود مثلهم من عمل إلى نصف النهار، والنصارى مثلهم مثل من عمل في وقت الظهر، والمسلمون مثلهم مثل من عمل من وقت العصر إلى غروب الشمس، فاحتج اليهود والنصارى، فقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، يعني اليهود من خلال هذا الحديث حجتهم ظاهرة؛ لأن الوقت من أول النهار إلى زوال الشمس أطول من وقت العصر بلا إشكال، لكن النصارى حينما احتجوا وقالوا: نحن أكثر عملاً وأقل أجراً، دل على أن وقت صلاة الظهر ينبغي أن يكون أطول من وقت صلاة العصر، واستدلوا بهذا الخبر المجمل، وتركوا المفصلات، علماً بأن الخبر المجمل لا دليل فيه من وجهين:

الأول: أن من أهل العلم من قال: إنهم احتجوا مجتمعين، فوقت اليهود مع وقت النصارى أطول من وقت المسلمين، هم احتجوا مجتمعين صحيح وإلا ما هو صحيح؟ هذه الإجابة واضحة وإلا ما هي واضحة؟ واضحة.

الأمر الثاني: أنه لو كان الاحتجاج على جهة الانفراد احتجاج اليهود لا إشكال فيه، احتجاج النصارى لو نظرنا إلى وقت الظهر من زوال الشمس إلى مصير ظل الشيء مثله، ووقت العصر من مصير ظل الشيء مثله إلى غروب الشمس صار وقت الظهر أطول في كل زمان ومكان، أطول، وبرهان ذلك الواقع، يعني لو نظرنا إلى وقت دخول وقت الظهر الآن يدخل وقت الظهر من اثني عشر وكم؟ وخمسة وعشرين، نعم، اثنا عشر وثمانية وعشرين إلى ثلاث وأربعة وأربعين، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق، من اثنا عشر ونصف إلى أربع إلا ربع كم؟ ثلاث ساعات وربع، هذا وقت الظهر، ووقت العصر من ثلاث وأربع وأربعين إلى سبع وأربع دقائق كم؟

ثلاث وأربعة وأربعين يدخل وقت صلاة العصر، نعم؟

طالب:.......

إيه إلى سبع؟

طالب: ثلاث ساعات و....

ثلث.

طالب:.......

إلى ثلث.

طالب:.......

كم قلنا هناك؟ من ثمان وعشرين وإلا خمس وعشرين؟

طالب:.......

طيب إلى أربعة وأربعين؟

طالب:.......

ثلاثين.

طالب:.......

ويش لون صار؟

طالب:.......

نعم؟

طالب:.......

كيف؟

طالب:.......

إيه على هذا الحساب أطول، صار أطول بثلاث دقائق.

طالب:.......

لا لا هو مجرب ومختبر من خلال التقويم أنه أطول باستمرار، يعني في كل مكان وفي كل زمان، لكن كيف طلع؟

وهم يقولون: نحن أكثر عملاً، فينبغي أن يكون الظهر أطول من العصر، نعم؟

طالب:.......

إيه، ما هو بعيد أن يكون فيه شيء من التقدم أو التأخر، لكن مع ذلك هو مجرب ومختبر، وأهل العلم أيضاً قالوا ذلك، نصوا عليه، نصوا على أنه في كل زمان ومكان الظهر أطول، وبينهما ما يقرب من ثلث ساعة، لكن يعاد النظر في مثل هذا.

المقصود أن هذا الحديث المجمل كيف يعدل عن الأحاديث الصريحة المبينة المفسرة إلى مثل هذا؟ حتى هذا لو قدرنا أن العصر فيه أطول، أو هما متساويان لا يتم الاستدلال به مع وجود النصوص الصحيحة الصريحة المبينة المفسرة، ما زلت أنا ما أنا مقتنع من هذا التقويم؛ لأننا جربناه مراراً، التقويم اختبرناه في فصول السنة كلها.

على كل حال عندنا النصوص صحيحة وصريحة ومفسرة ومبينة في بيان وقت العصر.

((ووقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق)) يعني من غروب الشمس إلى مغيب الشفق، والمراد بالشفق هو الشفق الأحمر، والدليل على ذلك اللغة، فقالوا: ثوب أحمر كالشفق، وقال ابن عمر وهو من أهل اللسان: الشفق الحمرة، فمن يقول: إن الشفق هو البياض الذي يعقب الحمرة عنده أن الوقت يستمر أحياناً إلى منتصف الليل، يعني عندما تكون السماء صحو وليس فيه قمر، يعني في آخر الشهر، والسماء صحو يمتد الشفق الأبيض إلى منتصف الليل الذي هو نهاية وقت صلاة العشاء، فلا يكون للمغرب وقت محدد، فالمرجح أن المراد بالشفق هو الأحمر.

وقت صلاة المغرب يمتد مقدار ساعة ونصف، يعني أطول ما يكون ساعة ونصف في ليالي الشتاء، وفي ليالي الصيف عند قصر الليل يكون ساعة وثلث هذه المدة وقت أداء لصلاة المغرب عند الجمهور، ويرى الشافعية أنه ليس للمغرب إلا وقت واحد مضيق جداً بقدر فعلها وما يطلب لها من طهارة وستارة ونحو ذلك، يعني بمقدار ربع ساعة لا يزيد على ذلك، لا يزيد على ربع ساعة، بدليل أن جبريل -عليه السلام- صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- المغرب في اليوم الأول حين وجبت الشمس، وصلى به المغرب في اليوم الثاني في الوقت الذي صلى فيه المغرب في اليوم الأول، فدل على أن وقتها واحد، ليست له بداية ونهاية كغيره من الأوقات، وإنما وقت واحد يبدأ من غروب الشمس، ويستمر بما يكفي لأدائها، مع ما يشترط لها هذا قول الشافعية، والجمهور يستدلون بهذا الحديث، وما جاء في معناه، وقلنا: إن هذا الحديث أرجح من حديث إمامة جبريل؛ لأنه في الصحيح، وهو أيضاً متأخر عنه.

((ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط)) يعني من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل الأوسط، هذا وقت صلاة العشاء، ينتهي بنصف الليل، ووصف النصف بكونه أوسط لوقوع المنتصف هذا في وسط الليل لا لأن الليل ينقسم إلى طرفين ووسط؛ لأن الأوسط -كما قلنا في الوسطى- إنما يكون في الأعداد الفردية فالثلاثة لها طرفان ووسط وأوسط، الخمسة فيها أطراف وفيها وسط، لكن الاثنين؟ نصف أول ونصف ثاني؟ هل في نصف أوسط إلا أن نهاية النصف الأول يقع في وسط الليل، فقيل له: أوسط، يعني أوسط الليل، فوقت صلاة العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى منتصف الليل.

وفي حديث إمامة جبريل أنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة العشاء عندما غاب..، بعدما غاب الشفق في اليوم الأول وفي اليوم الثاني في ثلث الليل، بعد مضي ثلث الليل، ويقال في هذا ما قيل في سابقه أن حديث عبد الله بن عمرو أرجح، وحديث إمامة جبريل أيضاً متقدم، فالصواب أن وقت العشاء ينتهي بمضي نصف الليل؛ لأن هذا الحديث واضح ومبين ومفسر وليس بمجمل ولا يخفى معناه، وحديث: ((ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من يؤخر الصلاة إلى أن يدخل وقت الصلاة الأخرى)) يدل على أن وقت العشاء يستمر إلى طلوع الفجر، لكنه حديث عام خُص بهذا الحديث، حديث عام خصصه هذا الحديث، وعمومه ليس بمحفوظ بدليل أن صلاة الفجر ينتهي وقتها على ما سيأتي بطلوع الشمس، ولا يستمر إلى وقت صلاة الظهر، فدل على أن هناك وقت لا يصلح لشيء من الصلوات أداءً من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، ومن طلوع الفجر إلى منتصف النهار.

((ووقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس)) يعني من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، طلوع الفجر والمراد به الفجر الصادق؛ لأن هناك فجر كاذب معترض، وهناك الفجر الصادق، الفجر الكاذب المستطيل الذي شبهوه بذنب السرحان، أما بالنسبة للفجر الصادق الذي ينفجر في السماء معترضاً، من هذا الوقت يبدأ وقت صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، إلى أن تطلع الشمس، فإذا طلعت الشمس انتهى وقت صلاة الفجر.

وجاء في الحديث الصحيح: ((من أدرك من الفجر ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) على ما سيأتي، يأتي شرحه -إن شاء الله تعالى-.

((ما لم تطلع الشمس)) فوقتها يمتد من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومقداره في الغالب بمقدار وقت صلاة المغرب، يعني في الوقت المعتدل يكون وقت صلاة المغرب بمقدار صلاة الفجر، يعني ساعة وقريب من النصف، أما إذا زاد الليل، زاد وقت صلاة المغرب قليلاً على وقت صلاة الفجر وإذا زاد النهار زاد وقت صلاة الصبح على وقت صلاة المغرب قليلاً، والزيادة والنقص تتراوح بين خمس إلى عشر دقائق.

((فإذا طلعت الشمس فأمسك عن الصلاة)) لأنه وقت نهي ومضيق أيضاً، وقت نهي ووقت نهي مغلظ مضيق لا ينبغي أن يفعل فيه شيء من الصلوات غير الفرائض؛ لأن الفرائض غير داخلة في النهي على ما سيأتي ((فإنها تطلع بين قرني شيطان)) وإذا طلعت الشمس سجد لها من يعبدها، فنهينا عن الصلاة في هذا الوقت؛ لئلا نشابه عباد الشمس.

"وفي لفظ: ((وقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس))" يعني من مغيب الشمس ((ما لم يسقط الشفق)) وهذا الحديث في صحيح مسلم.

ثم قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" فالنساء كن يشهدن الجماعة، ويسمعن الخير، ويسمعن الحديث، ويصلين خلف النبي -عليه الصلاة والسلام-، وجاء النهي عن منعهن عن شهود الجماعة ((لا تمنعوا إماء الله بيوت الله)) فجاء النهي عن منعهن، لكن على المرأة إذا أرادت أن تصلي مع الرجال مع الناس في المسجد فعليها أن لا تصير مثار فتنة، فعليها أن تخرج تفلة، كما كان نساء الصحابة يخرجن تفلات لا يعرفن، وكأنهن الغربان، ومع ذلك يخرج بعض النساء إلى الصلاة في المساجد في أبهى حلة وزينة مع الطيب الذي يلفت الأنظار -نسأل الله العافية- فهذه مأزورة غير مأجورة آثمة بلا شك، وإذا خرجت المرأة متطيبة فهي زانية -نسأل الله السلامة والعافية-، ونرى مظاهر التبرج كاسيات عاريات في أقدس البقاع في المطاف، فعلى النساء وعلى أولياء أمور النساء أن يتقوا الله -جل وعلا- في مولياتهم، وإذا كانت المرأة بهذه المكانة من السفه فعلى وليها أن يأطرها، وأن يأخذ على يدها، وتجد الخلل يعني في التصور أن يؤتى إلى مثل هذه الأماكن بالتبرج وإظهار الزينة والتكسر والتثني ومزاحمة الرجال والتعطر، والحضور مع سائق أجنبي، يعني ظلمات بعضها فوق بعض، وبيتها خير لها، يعني لو جاءت على صفة مجيء نساء المؤمنات في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- بيتها خير لها، وتصر إلا أن تأتي بهذه الصورة، فمثل هذه التي تأتي بهذه الكيفية لا بد من أطرها على الحق، إما أن تأتي بشكل غير مثير، لا تكون فتنة للرجال تفتن أو يفتن بها، وكم حصل من قضايا بسبب خروج النساء على هذه الكيفية حتى إلى صلاة التهجد، واستدرجت حتى أنها وقعت في حبائل الشياطين، وهي السبب في ذلك، ولا تبرأ من عهدة من استدرجها، بل هي السبب الأول، والمرأة في هذا الباب أدخل وأوغل من الرجال، ولذلكم في باب الزنا -نسأل الله السلامة والعافية- قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ} [(2) سورة النــور] فقدمت المرأة؛ لأنها هي التي تثير الرجل، وإثارة الرجل للمرأة أقل بكثير من إثارة المرأة للرجل، بينما في باب الأموال يقدم الرجال {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [(38) سورة المائدة] فتنتبه النساء، وعليهن أن يتقين الله -جل وعلا-، وعلى الرجال أن يكونوا من النباهة والحيطة والحذر، يعني ولا يقتضي هذا أن يكون الإنسان شكاك في زوجته وفي بناته لا، هذا غير مطلوب، لكن من غيرته على نسائه أن يحفظهن، وأن لا يخرجن إلا بصحبته، ووجد بعض القضايا التي يندى لها الجبين في أقدس بقعة على وجه الأرض، ونشاهد ويشاهد غيرنا من تصرفات بعض النساء شيء لا يليق بالمسلمة -نسأل الله العافية-.

"كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر متلفعات بمروطهن" متلفعات يعني متلفلفات متجللات بأكسيتهن، والأكسية كانت من الخشونة بحيث تمنع ظهور تفاصيل الجسم، تمنعه حتى مع وجود الريح والهواء الشديد، وكانت العباءات الموجودة قبل ثلاثين سنة وأربعين سنة كالخيام، يعني مع وجود الريح ما يبين شيء ألبتة؛ لأنها سميكة، الآن لا يخفى شيء مما تحت هذه العباءات بالنسبة لكثير من النساء، ففرق بين التلفع في عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعلى مر العصور إلى وقت قريب إلى أن فتحت الدنيا على الناس، وصاروا ينظرون إليها، ويتباهون بها، ويقلد بعضهم بعضاً، إلى وقت قريب إلى ثلاثين سنة وأربعين سنة شيء مدرك كانت العباءات من المتانة والسماكة والخشونة بحيث لا يرى ما تحتها ولا التفاصيل، لا يرى إلا بالنسبة لطول القامة حتى الحجم ما يبين، يعني ما يعرف أن هذه المرأة سمينة أو نحيفة، لا، مثل الخيمة، والآن انظر ترى شيء مقلق، حتى أن كثير من الصالحين ينظر في مصالحه وخسائره، يعني بالحسابات الدقيقة، ينظر هل يأتي إلى هذه الأماكن أو لا يأتي؟ يعني هل يرجع بأجر أو يرجع بإثم؟ ما صارت الآن النساء في مكان معزول، تزاحم الرجال في الأبواب، وقد تصلي في الطريق، وإذا سجدت تبان أمور شيء ما يمكن التحدث به، نعم على الرجال أن يغضوا الأبصار، لكن أيضاً على النساء ألا تكون مثار فتنة، يعني إذا خرجت بهذه الصفة لا شك أنها آثمة متبرجة، يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا رأيتموهن فالعنوهن، فإنهن ملعونات)) كيف تدعي أنها جاءت تطلب الأجر من الله -جل وعلا-، ولو كانت على الصفة المذكورة في الحديث بيتها خير لها، ويصر كثير من النساء إلا أن تصلي مع المسلمين، نعم بعض النساء إذا صلت وحدها ما تضبط صلاتها، وتتأثر بقراءة الإمام، وتصلي على الجنائز، هذه مبررات يعني مقبولة، لكن عليها أن تتقي الله -جل وعلا- في نفسها، وفي غيرها من المسلمين.

"متلفعات بمروطهن" ونرى الآن الأمر يزداد، يزداد سواءً حتى أن كثير من النساء الآن صارت تجلس في أماكن الرجال، ومرور النساء بين يدي الرجال حدث ولا حرج، وكأنه شيء مرتب ومقصود، وكل هذا من خطوات الشيطان، والشيطان يريد إفساد هذه العبادة التي هي أعظم العبادات على المسلمين، والله المستعان، وهن حبائل الشيطان، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء، والمرأة إذا خرجت من بيتها استشرفها الشيطان.

"ثم ينقلبن" يشهدن مع النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الفجر "ثم ينقلبن" يعني يرجعن "إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس" يعني ما زال الظلام مختلط بضوء الصبح، فهذا الغلس هو اختلاط الظلام بنور الصبح فلا يعرفن، وهذا دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يبادر بصلاة الصبح، يبادر بها في أول وقتها، فإذا انصرف الناس ما يعرف بعضهم بعضاً، والنساء لا يعرفن، لا يعرفهن أحد من الغلس، يعني لا محارم ولا غير المحارم، ما يعرفهن أحد، حتى الرجل ما يعرف زوجته من الغلس، فهذا فيه دليل على أن السنة المبادرة بصلاة الصبح، لكن ينبغي أن يجب التحقق من طلوع الصبح على ما سيأتي في الحديث الذي يليه.

يخرجن ويشهدن صلاة الفجر، وقد يشهدن صلاة العشاء وصلاة المغرب أكثر من شهودهن لصلاة الظهر والعصر؛ لأن الظلام لا يمكن الرجال من تحقيق النظر فيهن، فهن يخرجن في هذه الأوقات لوجود الظلام، قد يقول قائل: إن الفتنة والخطر على النساء في خروجهن في النهار أسهل من خروجهن بالليل، نقول: إذا وجدت الفتنة أو ظنت الفتنة لا يجوز حينئذٍ أن يخرجن لا بليل ولا نهار، لكن إذا أمنت الفتنة فخروجهن في الليل أستر لهن.

"متفق عليه".

"وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أصبحوا بالصبح فإنه أعظم لأجوركم، أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي، وصححه -يعني الترمذي والنسائي وأبو حاتم وابن حبان-، ورواه الطحاوي، ولفظه: ((أسفروا بالفجر فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: لأجوركم))" هذا لا ينافي الحديث السابق؛ لأن المراد به الإسفار والإصباح ((أصبحوا)) متى يقال: أصبح وأسفر؟ إذا دخل في الصباح وإذا دخل في الإسفار، ليس معنى هذا أنه يسفر جداً، لا، إذا تأكد من طلوع الصبح ودخل في الصلاة في أول وقت دخول وقت الصبح يقال له: أصبح، يعني دخل في هذا الوقت، يقال: أصبح وأمسى، إذا دخل في وقت الصباح أو دخل في وقت المساء، كما أنه جاء في خطبته -عليه الصلاة والسلام- أنه كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم، يعني أتاكم العدو في وقت الصباح أو أتاكم العدو في وقت المساء، فقوله: ((أصبحوا)) يعني صلوا الصبح في وقتها، إذا دخل وقتها صلوها ((فإنه أعظم لأجوركم أو أعظم للأجر)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه، وصححه أيضاً والنسائي وأبو حاتم وابن حبان، ورواه الطحاوي ولفظه: ((أسفروا بالفجر، فكلما أسفرتم فهو أعظم للأجر -أو قال-: لأجوركم)).

والحديث له طرق يدل على أن له أصلاً، وأقل أحواله أنه حسن، لكن المراد به التحقق من طلوع الصبح؛ لئلا يسمع أحد الحديث السابق فتحمله شدة المبادرة أن يصلي الصلاة قبل طلوع الصبح، تحمله الأحاديث الواردة في مبادرته -عليه الصلاة والسلام- أن يصلي صلاة الصبح قبل دخول وقتها، فقيل لهم: أسفروا وأصبحوا، يعني لا بد من التحقق من طلوع الفجر، من طلوع الصبح، وعلى كل حال الحديث هذا معناه عند جمهور أهل العلم، وإن حمله الحنفية على أن المستحب في صلاة الصبح تأخيرها حتى يسفر جداً؛ لهذا الحديث، ومعنا من الحديث ما هو أصح منه وأقوى مما يدل على أن المبادرة بها أفضل.

ثم قال: "وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فابردوا))" عندنا صلاة الصبح السنة المبادرة بها، وصلاة الظهر أيضاً السنة المبادرة بها، لكن ((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) يعني من حرها ((واشتكت النار إلى ربها)) وقالت: إنه أكل بعضها بعضاً، فقالت: ((أي رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها -جل وعلا- بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف، فهو أشد ما تجدون من الحر)) يعني نفس الصيف ((وأشد ما تجدون من الزمهرير)) وهو نفس الشتاء.

إذا وجدنا شدة الحرارة في الصيف فهو من فيح جهنم، من نفس الصيف، وإذا وجدنا شدة البرد في الشتاء فهو من نفس النار -نسأل الله السلامة والعافية-، فإنه من زمهريرها، فإذا وجدت شدة الحر المقلقة التي تمنع من حضور القلب في الصلاة، أو تؤذي المصلين في خروجهم لها في شدة الهاجرة في شدة الحر، فإنه حينئذٍ السنة أن نبرد، يعني نبرد إبراداً تترتب عليه آثاره، يزول فيها شدة الحر، فلا يكفي أن نبرد نصف ساعة أو ساعة ما يزول شدة الحر إلا أن نبرد جداً بحيث إذا خرج المصلي لصلاة الظهر لا يتأذى بحر الشمس، يكون للحيطان ظل يكفيه، أما إذا خرجنا في أول الوقت حتى بعد مضي نصف ساعة أو ساعة من الزوال قد يتعرض الإنسان للهب الشمس وحرها، فالإبراد من أجل ذلك.

((إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) والأمر بالإبراد لئلا يتأذى المصلي بشدة الحر؛ ولئلا ينشغل عن صلاته بما يقلقه من شدة الحر، وهذا من باب المحافظة على الصلاة، نعم في حكمه أيضاً في حكم شدة الحر شدة البرد، إذا اشتد البرد مثلاً بحيث لا يستطيع الإنسان أن يخرج إلى الصلاة في شدة البرد مثلاً يقال له: ينتظر، وقل مثل هذا إذا توضأ وأراد أن يتدفأ مثلاً إلى أن يزول شدة البرد؛ لأنه لو خرج بعد الوضوء مباشرة تضرر فيقال له: انتظر أيضاً، وإن فعل ذلك قبل دخول الوقت وتجهز للصلاة من أول وقتها فهو أفضل.

((إذا اشتد الحر فابردوا)) دليل على أن وقت الظهر أو صلاة الظهر ينبغي أن يبادر بها، يعني في الظروف العادية يبادر بها كالفجر في أول وقتها، وأما إذا اشتد الحر فالإبراد رفقاً بالمصلين، وحفاظاً على الصلاة والإقبال عليها ((فإن شدة الحر من فيح جهنم، واشتكت النار إلى ربها)) اشتكت بلسان المقال أو بلسان الحال؟

طالب:.......

نعم الأصل الحقيقة؛ لأنه يقول: ((فقالت)) وإن كان القول يطلق ويراد به الفعل، لكن الأصل في القول النطق، ((فقالت: رب)) يعني يا ربي، كما في الصحيحين وغيرهما، ويحذف حرف النداء، كما تقول: ربنا تقبل منا، يحذف بكثرة ((رب أكل بعضي بعضاً)) نار تلظى يأكل بعضها بعضاً ((فأذن لها -جل وعلا- بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف)) يعني فتحة تتنفس منها في الشتاء، فيخرج هذا البرد الشديد من أثر ذلك النفس، وفتحة تتنفس فيها أو من قبلها في الصيف.

من المحسوسات أنه إذا اشتد برد المكيف مثلاً في غرفة تنفس تفتح شيء من النافذة أو شيء من الباب من أجل أن يحصل شيء من النفس، وتخف البرودة الشديدة، مع أنه لا مقارنة ولا مناسبة، وشيء لا يخطر على البال، فيما أعد في جهنم لأهلها -نسأل الله السلامة والعافية-، كما أنه في الجنة أيضاً وما أعد لأهلها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

فالإنسان يسمع هذه النصوص، وهي في مواقيت الصلاة، وذهنه منصرف إلى الإبراد بالصلاة، ويغفل عما في الحديث من المعاني، فينبغي أن ننتبه؛ لأن هذا كلام من لا ينطق عن الهوى ((فأذن لها بنفسين، نفس في الشتاء، ونفس في الصيف)).

وعلى هذا إذا أدركنا نفس الصيف نستعيذ بالله -جل وعلا- من حر جهنم، وإذا أدركنا نفس الشتاء فإننا نستعيذ بالله من زمهرير جهنم.

ثم بعد ذلك قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

"وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: كان رسول -صلى الله عليه وسلم- يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" وفي رواية: "إلى قباء" متفق عليه.

"يصلي العصر والشمس مرتفعة حية، فيذهب الذاهب إلى العوالي والشمس مرتفعة" يعني الشمس مرتفعة وحية معناهما واحد، وبيضاء نقية أيضاً مما يدل على أنه -عليه الصلاة والسلام- يصليها في أول وقتها، ولا يؤخرها إلى أن تصفر، إنما يصليها في أول وقتها.

"وفي رواية البخاري: وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه" يعني أربعة أميال سبعة كيلو، والسبعة كيلو تحتاج في المشي على الأقدام إلى كم؟ الكيلو يحتاج إلى عشر دقائق إلى سبعين دقيقة، ساعة وربع، أو ساعة وعشر دقائق، وتبقى بيضاء نقية مرتفعة حية، يدل على أنه يصليها في أول وقتها، والحنفية يؤخرونها إلى مصير ظل الشيء مثليه؛ لأدلة إجمالية لا مستمسك فيها، ويتركون مع ذلك الأدلة الصحيحة الصريحة.

قال: "وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال ونحوه" قدرناها بسبعة كيلو، سبعة كيلو تحتاج إلى سبعين دقيقة على الأقل؛ لأن الكيلوات إذا قدرنا الكيلو الواحد بعشر دقائق فيمكن الكيلو الأخير يحتاج إلى ربع ساعة؛ لأن مشي الإنسان في أوله ليس مثل مشيه في آخره، إذا تعب يعني طال الزمان بالنسبة للمسافة، وعلى كل حال تأخير الصلاة أكثر من ساعة، ومع ذلك الشمس حية مرتفعة بيضاء نقية فيه دلالة صريحة على أن صلاة العصر تصلى في أول وقتها، فعندنا الصبح بغلس في أول وقته الظهر في أول وقتها ما لم يشتد الحر، العصر أيضاً الحديث دليل على أنها تصلى في أول وقتها.

"وعن رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" ومعروف أن موضع النبل قريب وإلا بعيد؟ بعيد، بعيد يعني احتمال لو أن النبل رمي يصل إلى ذلك الجدار الذي هو وراء الشارع، فكونه يبصر موقع النبل من ذلك الجدار دليل على أن الظلام ما دخل إلى الآن، إسفار يعني ما زال الضحاح -ضحاح الشمس- باقي، وأثرها باقي.

"كنا نصلي المغرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فينصرف أحدنا وإنه ليبصر مواقع نبله" يعني موضع وقوع السهم إذا رماه، ومعروف أنه إنما يقع بعيداً، فكون الإنسان يبصر البعيد الصغير دليل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصليها في أول وقتها حينما تسقط الشمس، حينما تغيب الشمس. متفق عليه.

فعندنا من الصلوات الفجر والظهر والعصر والمغرب دلت الأدلة على أن الأفضل أن تصلى في أوائل الأوقات، ما لم يعرض عارض كشدة الحر بالنسبة للظهر.

ثم قال -رحمه الله تعالى-:

"وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل" يعني أكثر الليل أو كثيره؟ "أعتم" يعني دخل في العتمة والعتمة الظلام "أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة" و(ذات) لفظ مقحم يعني زائد بحيث لو حذف لا يتأثر الكلام، وأعتم يعني دخل في العتمة التي هي الظلام ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، الأصل أن العامة هو الأكثر، يعني حينما تقول: وبهذا قال عامة أهل العلم، يعني أكثرهم، لكنه هنا يراد به كثير لا الأكثر، ذهب كثير من الليل، بدليل أن وقت صلاة العشاء ينتهي قبل أن يذهب عامة الليل، بمعنى أكثر الليل؛ لأنه ينتهي بمنتصف الليل، فعلى هذا عامة الليل إنما هو كثيره.

"ونام أهل المسجد، ثم خرج فصلى" ثم خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- عليهم، فصلى، فقال مبيناً أن صلاة العشاء يستحب تأخيرها، فقال: ((إنه لوقتها)) يعني إن هذا الوقت الذي تأخرنا إليه هو وقتها، يعني التأخير هو وقتها ((لولا أن أشق على أمتي)) وفي رواية: ((لولا أن يشق)) يعني لولا أن أشق أنا، تحصل المشقة بسبب تأخيري، أو لولا أن يشق التأخير على الأمة لأخر إلى هذا الوقت، وعلى هذا السنة في صلاة العشاء التأخير، أن تؤخر إلى ثلث الليل، وقد صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلاة العشاء في ثلث الليل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أخرها كثيراً، يعني في أكثر من مناسبة يؤخر صلاة العشاء فدل على أن تأخيرها أفضل بخلاف غيرها من الصلوات، لكن إذا وجد عارض مثلاً من نوم أو شبهه، وقدمت في أول وقتها صار أفضل بالنسبة لهؤلاء؛ لأن الشرع يلاحظ حال المكلفين، فيجعل الأفضل هو الأرفق بهم، كما هو الحال في شأن الجمع في السفر مثلاً الأفضل -وكذلك الصيام- الأفضل هو الأرفق بالمسافر، فإذا كان الأرفق بالمصلين الصلاة في أول وقتها لما ناله من تعب وعناء وطلب المعيشة في النهار، فيكون حينئذٍ أكثر، وهو غالب فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولكن إذا لم يترتب على ذلك مشقة على المصلين فإن تأخيرها أفضل، وعلى هذا لو كان مجموعة جماعة من الصحب في رحلة أو نزهة، أو ما أشبه ذلك أو في سفر، وتواطئوا من غير مشقة عليهم أن يؤخروا صلاة العشاء حينئذٍ يصيبون السنة.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"