كتاب الصلاة (29)

نعم.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجَمَعين.

قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالى-:

"بَابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ:

وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانُوا فِى الصُّفَّةِ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ.

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لاَ أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ- صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ، فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟» قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِإِنْسَانٍ: «انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟» فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ، وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُهُ عَنْهُ، وَيَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ».

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللُّه عَنْهُ- قَالَ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِى أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَلَى عَبْدِهِ ورسولِهِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأصَحْابِهِ أجمعين، أما بعد،

فيقول الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالى-:

"بَابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ".

الباب الذي تقدَّم بابُ نوم المرأة في المسجد، فقدَّم الباب الذي يتعلق بالمرأة على الباب الذي يتعلق بالرجال، وأفرد المرأة، وجمع الرجال؛ لأن الإشكال في نوم النساء في المساجد أشد من نوم الرجال، ولذلك قدَّم النساء؛ لمسيس الحاجة لمعرفة الحكم، والمرأة أيضًا إفرادها من هذا الباب؛ لأن فيه إشكالًا، فيه إشكال وتقدَّم ذكره، وتقدَّم حلُّه، فالحاجة تدعو إلى معرفة حكم نوم المرأة، وكون المرأة واحدة تنام في المسجد، وذكر الدليل على ذلك، نوم الجارية صاحبة الوشاح، ومع ذلك الفتنة مأمونة، واستترت عن الناس باتخاذ الخباء أو الخفش، اتخذت شيئًا يسترها، فإذا أُمِنت الفتنة فلا مانع من ذلك، لاسيما في الأوقات التي تضعف فيها الفتن، أما إذا زادت الفتن، وخُشِيَ على المرأة من نومها في المسجد فإنه لا يجوز أن تنام في المسجد، وتعرض نفسها، وكذلك الصبي، وأما بالنسبة للرجال فالفتنة فيهم أقل وأندع، وأيضًا كونهم جمعًا كما سيأتي في الأدلة لا يمنع من نوم الرجل وحده؛ لأنه إذا جاز نوم المرأة في المسجد، جاز نوم الرجل، والقصص والحوادث المذكورة في الحديث أو في الأحاديث تدل على أنه رجل وحده، كما أنها تدل على المجموعة.

طالب: يعني الجمع يا شيخ ما يكون رجلًا لوحده، أفرد المرأة، فلا يستقيم أن ينام الرجل في المسجد لوحده، مرأة، وجمع الرجال....

الشيخ: أنت تظن أن هذا الباب مضموم إلى ذلك الباب؟ يعني رجل وامرأة، لا بد أن يكون رجالًا بدل! لا، المرأة إذا كان فيه رجال فلا بد من وجود من يحميها.

الطالب: إذا جاز للمرأة، جاز للرجل من باب أوْلى، فما يحتاج الإشارة أصلًا.

الشيخ: هذا البخاري قد يترجم بترجمة يعرفها آحاد الناس وأفرادهم، مما لا علاقة لهم بالعلم، ويشير بذلك إلى أن من أهل العلم من تكلم في هذه المسألة، بابُ قول الرجل: ما صلَّيْنا، ترجم الإمام البخاري، فيه أحد يمنع من قول: ما صليت؟ وجد من يمنع، فترجم بهذه الترجمة.

المقصود أن الرجل يجوز من باب أوْلى أن ينام وحده في المسجد، والفتنة فيه أقل، إذا جاز للمرأة مع أمن الفتنة، لا بد من هذا الشرط، أما إذا وجد أدنى احتمال للفتنة فإنه حينئذٍ لا يجوز، وعرفنا أن في عهده -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- الفتنة مأمونة، ومع ذلك استترت عن الناس بالخباء أو الخفش، ومع ذلك الحاجة داعية إلى ذلك، ليس لها أهل، الحاجة تدعو إلى ذلك.

وأما بالنسبة لنوم الرجال سواءً كانت في قصة ابن عمر أو عليٍّ -رضي الله عن الجميع- أو أصحاب الصفة فحوائج طارئة، ابن عمر ليس بأعزب أو عزبًا، ليس له أهل، يعني لم يتزوج، وأما بالنسبة لعليِّ -رضي الله عنه- فإنه متأهل، ما يقال: لا يجوز إلا للحاجة، فعليِّ- رضي الله عنه- زوج فاطمة بنت النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- والملاحاة والمغاضبة قد تكون حاجة تحمل الإنسان إلى أن يعتزل، من باب الهجر والتأديب، والنبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- اعتزل نساءه، آلَى من نسائه شهرًا، واعتزلهنَّ في المشْرُبة، مثل هذه الأمور عادية، وجبليَّة تحصل مغاضبة بين الرجل والمرأة، ويكون حلها كما جاء في سورة النساء، الهجر.

طالب: الوعظ.

الشيخ: الوعظ قبل ثم الهجر ثم الضرب؛ مع أنه قيل في الهجر: الربط، يهجرهنَّ يربطهنَّ، منه أن الدابة إذا أردوا هجرها يعني ربطها، هذا القول لا حظ له من النظر، الهجر الترك، ترك الكلام ونحوه.

وقيل في الضرب من بعض الكتبة في المفتونين قالوا: المراد به السفر، من باب الضرب في الأرض، أين حقوق الإنسان؟ ما يصير، نعم، لكن هذا شرع الله، ليس لأحدٌ معه كلام، والظلم ممنوع.

طالب: أحسن الله إليك، نوم ...

الشيخ: يعني هي مكثت ما لها أحد، تخرج وتتحدث مع عائشة وترجع، وكذلك من الاعتكاف ما يمنع منه أحد، إلا عند وجود الفتنة، والخوف على المرأة.

"وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ".

عبد الله بن زيد الجَرْمِي.

"عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانُوا فِى الصُّفَّةِ".

في قصة العرانيين أنهم قومٌ من عُكل أو عرينة، فكانوا في الصُّفَّة، وهي مكانٌ مسقوف في المسجد مظلل، وتطلق الصُّفَّة ويراد بها الحجرة أو الغرفة.

"وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ".

أو كانوا فقراء.

طالب: في نسخة: فقراء؟

الشيخ: الفقراء، يعني هذا محصور ومقصورٌ عليهم، لماذا؟

الطالب: معرفة، أل.

الشيخ: ماذا في أل؟

طالب: ....

ماذا؟

الطالب: تعريف.

الشيخ: تعريف طرفي الجملة، تعريف طَرَفَيْ الجملة يقتضي الحصر، كانوا هم الفقراء، يعني ما يسكنها غني على هذا، وإذا قلنا: كانوا فقراء فهذا وصف يشملهم ولا ينفي غيرهم.

"وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِى بَكْرٍ: كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ".

قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى". من هو؟

طالب: ابن سعيد.

القطَّان.

طالب: سعيد.

الشيخ: ابن سعيد.

"عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ «أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ شَابٌّ أَعْزَبُ»".

قالوا: عَزَبْ أفصح من أعزب، لكن أعزب جائزة أيضًا.

"«لاَ أَهْلَ لَهُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»".

يعني ينام في مسجد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو شابٌ أعزب لا أهل له، قد يقول قائل: إن أباه موجود! ولكن المراد بالأهل الزوجة.

قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ".

عن أبيه أبي حازم سلمة بن دينار.

"عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ فَاطِمَةَ".

يعني جاء إلى بيتها.

"فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا".

وهذا يعني والد البنت، ويَعُزُّ عليه ألا يجد زوج بنته، تذهب به الظنون كل مذهب، من شفقته على بنته والمفخاوف.

"فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي البَيْتِ، فَقَالَ: «أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟»".

طالب: ملاطفة، فيه شيء من الملاطفة.

الشيخ: ملاطفة بالقرابة، "«أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟»".

"قَالَتْ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَيْءٌ".

يعني من مغاضبة وخصومة.

"فَغَاضَبَنِي، فَخَرَجَ، فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي".

يعني لم ينم عندي القيلولة التي تكون في وسط النهار.

"فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِإِنْسَانٍ".

ولعله الراوي سهل بن سعد.

«انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟» فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هُوَ فِي المَسْجِدِ رَاقِدٌ".

نائم، {..وَهُمْ رُقُودٌ..}[الكهف:18]، يعني نُوَّام.

"فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ مُضْطَجِعٌ، قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ".

يعني جانب، عن الجانب الذي يلي الأرض بحيث أصابه التراب.

"سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ وَأَصَابَهُ تُرَابٌ".

يعني من تراب المسجد، ما كانت المساجد مفروشة إلى وقتٍ قريب، أدركنا المساجد وهي غير مفروشة، يندر أن تجد مسجدًا مفروشًا، وإنما فيها الرمل، وهو مع ذلك فيه نوع راحة، مريح، لما كان الناس لا يخافون على ملابسهم مثل الآن، الرمل، ينام على رمل، ويجلس على رمل، ماذا يصير، لكن الآن وهو ينام على رمل ويروح للزوجة وفيه غبار أو شيء..

طالب: قامت القيامة.

الشيخ: تقوم القيامة، نعم، مع أن أكثر الناس اليوم، الشباب والمتأهلين كلهم غسيلهم عند الغسَّال، أكثرهم هكذا، تغيَّرت الأمور، وإلا لو كانت على ما كانت عليه قبل سبعين سنة لا يجد الإنسان ما يأكل إلا يُجاد به عليه، وبعض الناس يطوي اليوم واليومين والثلاثة جائع، لو كانت الأمور على هذه الحال تجد مثل التفحيط، وتعريض النفس والغير للتلف؟ وكم من نفسٍ ذهبت ضحية هذا التهور، لو كان بهذه المعيشة يفعل هكذا؟ لا والله، لكن الله المستعان.

"وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُهُ عَنْهُ".

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يلاطفه.

"وَيَقُولُ: «قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا تُرَابٍ»".

يعني قم يا أبا تراب، كنَّاه بالتراب للملابسة التي حصلت، وهي وجود التراب على شقه، قمْ أبا تراب، وكان علي -رضي الله عنه- بعد ذلك يحب هذه الكُنية، مَنِ الذي كنَّاه بها؟ الرسول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

نعم.

طالب: باقٍ حديث.

الشيخ: أين هو؟ مفصول بالشرح؟

الطالب: الذي بعده، الحديث نفسه.

الشيخ: حديث أبي هريرة، نعم.

ثم قال -رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى-:

"حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِى حَازِمٍ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ".

وأبو حازم هذا غير الأول، هناك سلمة بن دينار الزاهد المعروف، وهذا اسمه سلمان.

"عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ، قَالَ: رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ".

سبعين من أهل الصُّفَّة يدلُّ على أن عددهم أكثر من سبعين، وهم غير السبعين الذين قتلوا في بئر معونة القُرَّاء، غيرهم.

"مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ".

لماذا؟ لأن ستر أسفل البدن أوْلى من ستر أعلاه، ولا يوجد عند كثيرٍ منهم لاسيما الفقراء هؤلاء ما يستر البدن جميعه، فيكون أسفل البدن أوْلى.

يقول:

"مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ".

يعني يستر أسفل البدن.

وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رَبَطُوا فِى أَعْنَاقِهِمْ".

ربطوا هذا الملبوس في أعناقهم؛ لئلا ينكشف، يعني صار مثل.. ربطوها في أعناقهم مثل الشدادات التي يضعونها على التنانير، تعرف التنورة؟

طالب: ....

ما هي؟

الطالب: إيْ.

الشيخ: ما هي؟ هي النُقْبَة التي هي من ملابس النساء، نفس الشيء، وقد ذكروها في الألبسة، في أيِّ كتاب؟

الطالب: مما يلبس، كتاب ستر العورة.

الشيخ: لا لا لا، كتب متخصصة في هذا، غير متخصصة في الألبسة، في فقه اللغة، كالمخصص وغيره.

"فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ".

يعني إذا ركع أو سجد.

"فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ، كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ".

اقرأ.

طالب: المواضع، الرقم.

الشيخ: نعم، أربعمائة واثنين وأربعين، ماذا فيه؟

في عهده -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

طالب: يؤخذ من قوله: من رؤية أبي هريرة.

الشيخ: ماذا؟

الطالب: رؤية أبا هريرة قد تكون بعد وفاته.

الشيخ: لكن من أهل الصُّفَّة لا يقال لهم هكذا إلا الذين وفدوا في عهده -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، نعم.

طالب: .....

الشيخ: عند النساء، لا ما يلبسون، سروال ، صنَّفُوهُ في أنواع السراويل.

طالب: ....

أين؟

طالب: ....

هو سروال من كُمٍّ واحدة، هم قالوا: سروال من كُمٍّ واحدة.

طالب: تبَّان يا شيخ؟

الشيخ: لا، التُبَّان قصير، قصير جدًّا.

طالب: لكن ما فيه حاجز.

الشيخ: ما فيه حاجز، سروال من كُمٍّ واحدة.

طالب: هم يا شيخ ما يشترطون أن السروال يكون فيه حاجز بين الرجلين؟

الشيخ: لا، ما يشترط، هم صنَّفوه من نوع السراويل هذا، يقول ابن عمر: "فألبستني أمي نُقبتها"، نعم.

طالب: بالنسبة للنساء تنام وما فيه بأس.

الشيخ: تنام إذا أُمِنت الفتنة؛ الفتنة يراها من يراها، وقد انكشف ساقها أو خرج من محاسنها شيء، فتفتن الرجال، إذا ما تُؤْمَن تمنع.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"قَوْلُهُ: "بَابُ نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ".

أَيْ: جَوَازِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَرُوِيَ عَنِ ابن عَبَّاسٍ كَرَاهِيَتُهُ إِلَّا لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، وَعَنِ ابن مَسْعُودٍ: مُطْلَقًا، وَعَنْ مَالِكٍ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَيُكْرَهُ، وَبَيْنَ مَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ فَيُبَاحُ.

طالب: .....

الشيخ: أخرج هذه الرواية، وصريحة فيما يعانونه من قلة ذات اليد.

طالب:  إفراد النساء وجمع الرجال، هل يُقال: إن هذا فيه إشارة إلى .....

الشيخ: الحاجة مراعاة شرعًا من الجنسين، أين تروح هذه؟ ما لها أهل.

قَوْلُهُ: "وَقَالَ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ" هَذَا طَرَفٌ مِنْ قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُهُمْ فِي الطَّهَارَةِ وَهَذَا اللَّفْظُ أَوْرَدَهُ فِي الْمُحَارَبِينَ مَوْصُولًا مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ.

 قَوْلُهُ: "وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ" هُوَ أَيْضًا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ يَأْتِي فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

 وَالصُّفَّةُ مَوْضِعٌ مُظَلَّلٌ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كَانَتْ تَأْوِي إِلَيْهِ الْمَسَاكِينُ، وَقَدْ سَبَقَ الْبُخَارِيَّ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يسَار، رَوَاهُ ابن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا.

قَوْلُهُ: "حَدَّثَنَا يَحْيَى" هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ هُوَ الْعُمَرِيُّ، وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا مُخْتَصَرٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثٍ لَهُ طَوِيلٍ يَأْتِي فِي بَابِ فضل قيام اللَّيْل، وَأوردهُ ابن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا أَيْضًا بِلَفْظِ كُنَّا نَنَامُ.

قَوْلُهُ: "أعزب" بِالْمُهْمَلَةِ وَالزَّايُ أَيْ: غَيْرُ مُتَزَوِّجٍ، وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عَزِبٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَالْأَوَّلُ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، مَعَ أَنَّ الْقَزَّازَ أَنْكَرَهَا.

القزاز كتابه مطبوع أم غير مطبوع؟

طالب: ....

 مطبوع؟

طالب: الجامع مطبوع.

الشيخ: نعم الجامع.

وقوله..

"وَقَوْلُهُ "لَا أَهْلَ لَهُ" هُوَ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: أَعْزَبُ، وَيَحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ بَعْدَ الْخَاصِّ، فَيَدْخُلَ فِيهِ الْأَقَارِبُ وَنَحْوُهُمْ، وَقَوْلُهُ: "فِي مَسْجِدٍ" مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ينَام، قَوْلُهُ: "عَنْ أَبِي حَازِمٍ" هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ، وَالِدُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورِ".

يعني الراوي عنه.

"قَوْلُهُ: "أَيْنَ ابن عمك؟" فِيهِ إِطْلَاق ابن الْعم على أقَارِب الْأَب؛ لِأَنَّهُ ابن عَم أَبِيهَا، لَا ابْنِ عَمِّهَا".

لأن السن، كان عليّ يعني مقاربًا لفاطمة، فيوازي ابن عمِّها، وفي قصة بدء الوحي قالت: اسمع لابن أخيك؛ لأنه كبير في السن.

"وَفِيهِ إِرْشَادُهَا إِلَى أَنْ تَخَاطُبَهُ بِذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِعْطَافِ بِذِكْرِ الْقَرَابَةِ، وَكَأَنَّهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِمَ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا، فَأَرَادَ اسْتِعْطَافَهَا عَلَيْهِ بِذِكْرِ الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا.

 قَوْلُهُ: "فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي" بِفَتْحِ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ، وَهُوَ نَوْمُ نِصْفِ النَّهَارِ. قَوْلُهُ: فَقَالَ لِإِنْسَانٍ، يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ سَهْلٌ رَاوِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُهُ.

وَلِلْمُصَنِّفِ فِي الْأَدَبِ: فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِفَاطِمَةَ «أَيْنَ ابن عَمِّكِ؟» قَالَتْ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي هُنَا مُخَالَفَةٌ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ انْظُرْ أَيْنَ هُوَ؟ الْمَكَانَ الْمَخْصُوصَ مِنَ الْمَسْجِدِ".

أو أراد التأكد من مكان وجوده.

"وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَمَرَ إِنْسَانًا مَعَهُ فَوَجَدَهُ مُضْطَجِعًا فِي فَيْءِ الْجِدَارِ.

 قَوْلُهُ: "هُوَ رَاقِدٌ فِي الْمَسْجِدِ" فِيهِ مُرَادُ التَّرْجَمَةِ؛ لِأَنَّ حَدِيث ابن عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ لِمَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ، وَكَذَا بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ، إِلَّا قِصَّةَ عَلِيٍّ فَإِنَّهَا تَقْتَضِي التَّعْمِيمَ، لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ نَوْمِ اللَّيْلِ وَبَيْنَ قَيْلُولَةِ النَّهَارِ.

وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ هَذَا مِنَ الْفَوَائِدِ أَيْضًا جَوَازُ الْقَائِلَةِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمُمَازَحَةُ الْمُغْضَبِ بِمَا لَا يَغْضَبُ مِنْهُ، بَلْ يَحْصُلُ بِهِ تَأْنِيسُهُ، وَفِيهِ التَّكْنِيَةُ بِغَيْرِ الْوَلَدِ، وَتَكْنِيَةُ مَنْ لَهُ كُنْيَةٌ، وَالتَّلْقِيبُ بِالْكُنْيَةِ لِمَنْ لَا يَغْضَبُ".

قد تعدد الكُنى، فيقال أبو فلان وأبو فلان وأبو فلان بعدد أولاده أو بعدد الملابسات التي تحصل له، كما هنا.

طالب: تصبح الكنية لقبًا عن الحال.

الشيخ: لقبًا، نعم.

"وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَبِ أَنَّهُ كَانَ يَفْرَحُ إِذَا دُعِيَ بذلك، وَفِيه مداراة الصِّهْرِ، وَتَسْكِينُهُ مِنْ غَضَبِهِ، وَدُخُولُ الْوَالِدِ بَيْتَ ابْنتِهِ بِغَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا؛ حَيْثُ يَعْلَمُ رِضَاهُ، وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِبْدَاءِ الْمَنْكِبَيْنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي فَضَائِلِ عَلِيٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى".

نعم؛ إبداء المنكبين في غير الصلاة، وأما في الصلاة فجاء النهي، «لاَ يُصَلِّي أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ شَيْءٌ».

"قَوْلُهُ: "حَدثنَا ابن فُضَيْلٍ" هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ أَبِي حَازِمٍ الَّذِي قَبْلَهُ فِي السِّنِّ وَاللِّقَاءِ، وَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مَدَنِيَّيْنِ تَابِعِيَّيْنِ ثِقَتَيْنِ.

 قَوْلُهُ: "لَقَدْ رَأَيْتَ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ" يُشْعِرُ بِأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَآهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ غَيْرَ السَّبْعِينَ الَّذِينَ بَعَثَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ، وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ أَيْضًا، لَكِنَّهُمُ اسْتُشْهِدُوا قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقد اعتنى بِجمع أَصْحَاب الصّفة ابن الْأَعْرَابِيِّ وَالسُّلَمِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَعِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمْ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ، وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرُوهُ اعْتِرَاضٌ وَمُنَاقَشَةٌ، لَكِنْ لَا يَسَعُ هَذَا الْمُخْتَصَرَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: "رِدَاءٌ" هُوَ مَا يَسْتُرُ أَعَالِيَ الْبَدَنِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: "إِمَّا إِزَارٌ" أَيْ فَقَطْ، "وَإِمَّا كِسَاءٌ" أَيْ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَشْرُوحَةِ فِي الْمَتْنِ. وَقَوْلُهُ: "قَدْ رَبَطُوا" أَيِ الْأَكْسِيَةَ، فَحَذَفَ الْمَفْعُولَ؛ لِلْعِلْمِ بِهِ. وَقَوْلُهُ: "فَمِنْهَا" أَيْ مِنَ الْأَكْسِيَةِ.

قَوْلُهُ: "فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ" أَيِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ ذَلِكَ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ فِي الصَّلَاةِ، وَمُحَصَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ ثَوْبَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَحْوُ هَذِهِ الصِّفَةِ فِي بَابِ إِذَا كَانَ الثَّوْب ضيقًا".

نعم.

قال البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

"باب الصَّلاَةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ:

وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ.

حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، قَالَ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ، قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ ضُحًى، فَقَالَ: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، وَكَانَ لِى عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِى وَزَادَنِى".

قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"باب الصَّلاَةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ.

وكان -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- يبدأ بالمسجد فيصلي فيه إذا قدم من سفر، وهذه سُنَّةٌ تكاد أن تكون مهجورة، لاسيما إذا كان القدوم في الليل.

"وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ".

أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا وتاب الله عليهم.

طالب: .... لو هذا فُعِل مرة أتى بالسُّنَّة فعلها مرة أو مرتين.

الشيخ: يعني كان، كان تقتضي الاستمرار، انظر ماذا يقول، كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ، تدل على الاستمرار.

طالب: يتعمد أن يجد مسجدًا قريبًا يصلي فيه أو المسجد ..

الشيخ: قريب من بيته إذا وصل، لكن لو كان مغلقًا فمعذور.

طالب: ....

أين؟

طالب: هو يقصد المطار يا شيخ.

الشيخ: هو إذا قدم، ما معنى قدم؟ وصل إلى غايته، معنى قدم: وصل إلى غايته، هذا يقتضي المسجد الذي عند بيته.

"وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ".

أحد الثلاثة الذين خُلِّفوا وتاب الله عليهم.

"كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ".

وقلنا: إن "كَانَ" تدلُّ على الاستمرار.

قال -رَحِمَهُ اللَّهُ-:

"حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ".

وهو ابن كدام.

"قَالَ حَدَّثَنَا مُحَارِبُ".

وهو ابن دِثَارٍ.

"عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ، قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: ضُحًى".

يعني في وقتٍ ليس بوقتِ نهي، وهل يتعيَّن أن يكون الوقت ليس بوقت نهي؟ وإذا قدم في وقت النهي فماذا يصنع؟ سيأتي في الباب اللاحق، لكنَّ ما حصل في هذا الباب وقع اتفاقًا، ما ندري لو كان قدومه في العصر أو بعد صلاة الصبح فهل يصلي؟

طالب: إذا ..... نوم.

الشيخ: نعم، هذا هو، لكن ما يُبنى عليه حكم أن مثل هذه الصلاة تُصلى أو لا تصلى في وقت النهي.

"فَقَالَ: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ»".

"عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ".

جاءه بعد أن قدم من سفر في السفرة التي باع فيها جابر الجمل على الرسول -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- وقضاه دينه أول ما قدم.

"قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: ضُحًى".

و"أُرَاهُ" يعني أظنه.

"فَقَالَ: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ»".

وهذا محمولٌ على الاستحباب، وتتأدى هاتان الركعتان بتحيَّة المسجد أو بالفريضة إن وجدت.

"فَقَالَ: «صَلِّ رَكْعَتَيْنِ»، وَكَانَ لِى عَلَيْهِ دَيْنٌ".

ثمن الجمل.

"فَقَضَانِى وَزَادَنِى".

عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، ولا شك أنه قد يشتري شيئًا وتكون قيمته غير حاضرة أو يحتاج إلى أن يشتري وليس في يده مال في ذلك الوقت، ثم يطلب النَظِرة، ومع ذلك إذا وفَّى زاد، كما جاء في الحديث الصحيح: استسلف بكرًا وردَّ خِيَارًا رَبَاعِيًّا، وهذا من حسن القضاء الذي مدح فاعله، والحديث مخرجٌ في الصحيح في أكثر من عشرين موضعًا، قطَّعه البخاري بعدد ما يُستنبطُ منه من أحكام، وهذا هو الموضع الأول، واقتصر منه على ما يحتاج إليه، صلِّ ركعتين وهو المسجد، وهكذا والترجمة: باب الصلاة إذا قدم من سفر، وفيه فوائد كثيرة جدًّا في القصة، وزَّعها وقطَّعها الإمام البخاري كعادته على الأبواب المناسبة لكلِّ جملة، وقد خرَّجه في أكثر من عشرين موضعًا.

طالب: خمس وعشرين....

الشيخ: ظاهر، أكثر من عشرين، عندك فيه أطراف؟

طالب: ....

كم؟

طالب: ....

ستة وعشرين مع أحاديث الباب.

اقرأ.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-:

"قَوْلُهُ: "بَابُ الصَّلَاةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ".

أَيْ: فِي الْمَسْجِد. قَوْلُهُ: "وَقَالَ كَعْبٌ" هُوَ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ تَخَلُّفِهِ وَتَوْبَتِهِ، وَسَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَذَكَرَ بَعْدَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ؛ لِيَجْمَعَ بَيْنَ فِعْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَمْرِهِ، فَلَا يُظَنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ".

من فعله -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في حديث كعب، ومن أمره -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في حديث جابر، وإذا تضافر الفعل والأمر تأكد، وانتفى الاحتمال؛ لأنه إذا فعل فقط ولم يأمر حُمِلَ على الخصوصية.

طالب: هل يمكن يا شيخ أن المقصود تحية المسجد؟

الشيخ: لا لا، يفسره الذي قبله.

الطالب: قبله ممكن يكون خصوصية؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتي الناس .....الناس.

الشيخ: هو قدوتهم، نعم.

"قَوْلُهُ: "قَالَ مِسْعَرٌ: أُرَاهُ" بِالضَّمِّ أَيْ أَظُنُّهُ، وَالضَّمِيرُ لِمُحَارِبٍ. قَوْلُهُ: "وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ" كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَلِلْحَمَوِيِّ: وَكَانَ لَهُ أَيْ لِجَابِرٍ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَفِي قَوْلِهِ: "بَعْدَ ذَلِكَ فَقَضَانِي" الْتِفَاتٌ، وَهَذَا الدَّيْنُ هُوَ ثَمَنُ جَمَلِ جَابِرٍ، وَسَيَأْتِي مُطَوَّلًا فِي كِتَابِ الشُّرُوطِ، وَنَذْكُرُ هُنَاكَ فَوَائِدَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي نَحْوٍ مِنْ عِشْرِينَ مَوْضِعًا مطولًا، ومختصرًا، وَمَوْصُولًا، وَمُعَلَّقًا، وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَقَاضِيَهُ لِثَمَنِ الْجَمَلِ كَانَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنَ السَّفَرِ، كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا".

لأن الشراء وقع في السفر.

طالب: .....المسجد....

الشيخ: شراء النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- الجمل في سفر.

طالب: ....

ماذا؟

طالب: ........

الشيخ: نعم، قدم من السفر مباشرة ذهب إلى النبي -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-؛ ليقبض الثمن، فرءآه في المسجد قال له: صلِّ ركعتين.

طالب: قاضاه.

الشيخ: قضاني، إيْ، أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد، وَكَانَ لِى عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِى وَزَادَنِى.

طالب: هذه الراوية تختلف؟

الشيخ: نعم، الرواية الثانية، شوف الثانية، الشرح.

"وَمُطَابَقَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ تَقَاضِيَهُ لِثَمَنِ الْجَمَلِ كَانَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنَ السَّفَرِ، كَمَا سَيَأْتِي وَاضِحًا.

وَغَفَلَ مُغَلْطَايْ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ فِيهِ مَا بَوَّبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنَّ جَابِرًا لَمْ يَقْدَمْ مِنْ سَفَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ".

لكن القصة معروفة، وهو أن العقد حصل في السفر ومجرد ما وصل طلب الثمن.

طالب: وأعاطاه البعيرة ....

الشيخ: نعم، أتراني ماكثتك لآخذ جملك؟ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.

طالب: ....قد تكون في البداءة، قد تكون ....

الشيخ: أعطاه الثمن وقال: خذ جملك، أعطاه الثمن والمثمن -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وزاده.

"قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذِهِ الصَّلَاةُ مَقْصُودَةٌ لِلْقُدُومِ مِنَ السَّفَرِ، يَنْوِي بِهَا صَلَاةَ الْقُدُومِ، لَا أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ الَّتِي أُمِرَ الدَّاخِلُ بِهَا قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ، لَكِنْ تَحْصُلُ التَّحِيَّةُ بِهَا، وَتَمَسَّكَ بَعْضُ مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ، وَلَوْ كَانَتْ ذَاتَ سَبَبٍ بِقَوْلِهِ: ضُحًى، وَلَا حجَّة فِيهِ؛ لِأَنَّهَا وَاقعَة عين".

وهذه المسألة ستأتي في الباب الذي يليه، إن شاء الله تعالى.