تعليق على تفسير سورة آل عمران (03)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: " قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ* كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران:10-11].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ وَقُودُ النَّارِ، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [غَافِرٍ:52]".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد،

يقول المؤلف –رحمه الله تعالى-: "يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ وَقُودُ النَّارِ"؛ لأن النار –نسأل الله السلامة والعافية- وقودها الناس والحجارة، وقد أُعِدت لهم للكافرين –نسأل الله العافية- وأما ما يهتمون به ويولونه عنايتهم في هذه الدنيا من الأموال والأولاد بحيث تشغلهم عن طاعة الله وما يُقربهم إلى الله فإن هذه لن تُغني عنهم شيئًا، كما سيأتي.

"وَلَيْسَ مَا أُوتُوهُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ بِنَافِعٍ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا بِمُنْجِيهِمْ مِنْ عَذَابِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التَّوْبَةِ:85]، وَقَالَ تَعَالَى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آلِ عِمْرَانَ:196-197]".

هذه الدنيا الفانية لا تزن عند الله شيئًا، ولو كانت تزن جناح بعوضة ما سقى منها كافرًا شربة ماء، فإذا نظر المسلم إلى واقع الناس وما يعيشونه يجد أن الكفار يتنعمون في هذه الدنيا أكثر مما يتنعم به كثير ممن آمن بالله واليوم الآخر؛ لهذا السبب أنها لا تزن عند الله جناح بعوضة ولا تُعادل شيئًا من نعيم الآخرة، وقد جاء في الخبر: «أنه يؤتى بأنعم الناس في الدنيا فيُغمَس غمسة في النار، فيُقال له هل رأيت نعيمًا قط؟ فيقول: لا، ويؤتى بأشدهم بؤسًا من المؤمنين فيُغمَس غمسةً في الجنة، فيُقال: هل مر بك بؤسٌ قط؟ فيقول: لا والله».

الدنيا ليست بشيء بالنسبة للآخرة، والدنيا متاع، فلا ينبغي أن تكون هي الهَم، وإنما ينبغي أن يكون بل يجب أن يكون الهَم الآخرة، والدنيا موصِلة إلى الدار الآخرة؛ ولذا جاء الأمر بعدم نسيان النصيب المُبلِّغ للمؤمن في هذه الدنيا إلى الآخرة ليست هي الهدف، الجن والإنس إنما خُلِقوا ليعبدوا الله -جلَّ وعلا-؛ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، فالهدف من الوجود هو عبادة الله –جلَّ وعلا-، والله المستعان.      

"وقَالَ هَاهُنَا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آل عمران:7] أَيْ: بِآيَاتِ اللَّهِ، وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَخَالَفُوا كِتَابَهُ، وَلَمْ يَنْتَفِعُوا بِوَحْيِهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ {لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ} [آل عمران:10] أَيْ: حَطَبُهَا الَّذِي تُسْجَرُ بِهِ وَتُوقَدُ بِهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ:98].

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قال: حدَّثنا ابْنُ لَهِيْعة، قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْهَادِ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ أَمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ: بَيْنَمَا نَحْنُ بِمَكَّةَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اللَّيْلِ، فنادى: «هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» ثَلَاثًا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: نَعَمْ. ثُمَّ أَصْبَحَ، فَقَالَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيَظْهَرَنَّ الْإِسْلَامُ حَتَّى يَرُدَّ الْكُفْرَ إِلَى مَوَاطِنِهِ، وَلَتَخُوضُنَّ الْبِحَارَ بِالْإِسْلَامِ، وَلِيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه، ثُمَّ يَقُولُونَ: قَدْ قَرَأْنَا وَعَلِمْنَا، فَمَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَّا، فَهَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ أولئك؟ قال: «أولئك منكم، وأولئك هم وَقُودُ النَّارِ»، وَكَذَا رَأَيْتُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ هِنْدَ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ لَيْلَةً بِمَكَّةَ فَقَالَ: «هَلْ بَلَّغْتَ؟» يَقُولُهَا ثَلَاثًا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -وَكَانَ أوَّاها- فَقَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، وحرصتَ وجهدتَ ونصحتَ فَاصْبِرْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَيَظْهَرَنَّ الْإِيمَانُ حَتَّى يَرُدَّ الْكُفْرَ إِلَى مَوَاطِنِهِ، وَلِيَخُوضُنَّ رِجَالٌ الْبِحَارَ بِالْإِسْلَامِ، وَلِيَأْتِيَنَّ عَلَى الناس زمان يقرؤون القرآن، فيقرؤونه وَيَعْلَمُونَهُ، فَيَقُولُونَ: قَدْ قَرَأْنَا، وَقَدْ عَلِمْنَا، فَمَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَّا؟ فَمَا فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ أُولَئِكَ؟ قَالَ: «أُولَئِكَ مِنْكُمْ، وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ»".

الظاهر من كلامهم أنهم تعلموا وقرأوا؛ ليُقال، لأنهم سألوا من أفضل منَّا، ومن خيرٌ منَّا؟ ليُقال: أنتم، أنتم خير الناس، وأنتم أفضل الناس.

والخبر بطريقيه ضعيف بلا شك، والأول فيه ابن لهيعة، والثاني فيه هند هذه مجهولة.

وعلى كل حال الواقع يشهد بهذا، ولمَّا وُجِدت هذه الآلات وصرنا ننظر إلى القُراء وهو يقرؤون وبعضهم يتصرَّف ويتحرك بحركاتٍ ويُمطط ويمد مدودًا ما أنزل الله بها من سلطان، تجزم بأنهم هم الذين جاء الحديث بأنهم «لا يُجاوزُ تَرَاقِيَهُمْ»، ولذلك تجد في أفعالهم ما يُناقض تعاليم الإسلام، تجد الواحد حليقًا؛ حتى ذُكِر عن بعضهم أنه يستعمل من أنواع المخدرات من القُراء -والله المستعان-، ذُكِر هذا؛ لأنهم أخذوه سلعة يتكسَّبون به، يحضرون به المآتم، ويقرؤون على الأموات وهكذا، ما تعلموه للعلم به والاتعاظ به، والادكار بآياته ومواعظه، إنما أخذوه؛ ليتجِروا به، وهؤلاء -نسأل الله العافية- هم شرار الناس.

ومَن يَكُنْ لِيَقُولَ الناسُ يَطْلُبُهُ
 

 

أخْسِرْ بِصَفْقَتِهِ فِي مَوْقِفِ النَّدَمِ
 

قرأوا القرآن؛ ليُقال: قُراء، ويُقدَّمون في المجالس، لكن إذا كانت هذه هي الغاية فهي غايةٌ في حقيقتها مُرة، ولا تُغني عن صاحبها شيئًا، والعيش على العامية المحضة خيرٌ من عيش هؤلاء، كما قال الحافظ الذهبي في ترجمة ابن عربي: والله إن العيش خلف أذناب البقر خيرٌ من علم ابن عربي وأمثاله، الذي لا يوصلك إلى مرضاة الله وإلى جناته ونعيمه فليس بعلم حقيقةً.

فالذي يعصي الله –جلَّ وعلا- وإن تعلَّم وقيل: عالم، وإن كسب المجالس والمناصب وهو يعصي الله مع ذلك فهو في حقيقته جاهل، وليس بعالم، إنما العلم ما نفع، وهذا علمٌ ضار.

طالب: .............

الذي يقرأ القرآن على الوجه المعروف عند أهل العلم، وعند أهل القرآن هذا مطلوب؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام: "قراءة القرآن على الوجه المأمور به" مأمورٌ بالترتيل، ومأمور بالتدبر، الذي يقرأ على هذا الوجه هذه هي القراءة النافعة؛ لأنه تُورِث القلب من العلم والإيمان وطمأنينة النفس مثل هذا لا يُدركه إلا من فعله، لكن انظر ترَ، افتح على قنوات القرآن ومواقع هؤلاء القُراء، وانظر ماذا يفعلون، كيف يتصرفون، وفي حركاتهم في أيديهم وفي وجوههم شيء ما يفعله أحد.

وأيضًا الأصوات من حولهم تسمعها، ويغترون بهذه الأصوات –والله المستعان- مثل مشجعي الكرة، مثلهم يُشجعونهم.

هو لا شك أن سماع كلام الله يقرأه لكن ليس على الطريقة المذمومة، اقرأه على الطريقة المحمودة، لكنه في قلبه نفاق، فهو يُنتفَع بقراءته ولو لم ينتفع بها هو، لكنه يقرأه على الطريقة المشروعة، هؤلاء يقرؤون على طُرق محدثة ومقامات ما أنزل الله بها من سلطان، يُقطِّعون الآيات والكلمات مثل تقطيع الشعر، نسأل الله العافية.

طالب: .............

يعني عن جزيرة العرب يُخرَج، ومع ذلك حصل هذا، ثم حصل في الأمة ما حصل من النقص، كما أخبر النبي –عليه الصلاة والسلام-، وهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: «نعم»، وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: «نَعَمْ، وفيهِ دَخَنٌ».        

"ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ بِنْتِ الْهَادِ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبَدِ الْمَطْلَبِ بِنَحْوِهِ".

وهذا الطريق فيه موسى بن عُبيدة الربذي مُضعَّف عند أهل العلم.

طالب: .............

موسى بن عُبيدة الربذي.

"وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} [آل عمران:11] قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَصَنِيعِ آلِ فِرْعَوْنَ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي مَالِكٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَسُنَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَفِعْلِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَشَبَهِ آلِ فِرْعَوْنَ".

أو عادتهم عادة أهل فرعون وطريقتهم.

"وَالْأَلْفَاظُ مُتَقَارِبَةٌ. وَالدَّأْبُ -بِالتَّسْكِينِ، وَالتَّحْرِيكِ أَيْضًا كنَهْر ونَهَر-: هُوَ الصَّنْيعُ وَالْحَالُ والشأن وَالْأَمْرُ وَالْعَادَةُ، كَمَا يُقَالُ: لَا يَزَالُ هَذَا دَأْبِي وَدَأْبُكَ، وَقَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

وُقُوفًا بِهَا صَحْبِي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ
 

 

يَقُولُونَ: لَا تأسف أَسًى وَتَجَمَّلِ
 

كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا
 

 

وَجَارَتِهَا أَمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
 

"لا تأسف" عندنا "لا تهلك".

طالب: ...............

ويقول في زاي: "لا تأسف" إن كان في الأزهرية فهو الثابت يقينًا عن ابن كثير.

طالب: ...........

يقولون: "لا تهلك" ويقول: في المخطوطة "لا تأسف"، والمثبت من ديوانه -من ديوان امرئ القيس-؛ لأن طبعة الشعب مأخوذة من الأزهرية.

"وَالْمَعْنَى: كَعَادَتِكَ فِي أُمِّ الْحُوَيْرِثِ حِينَ أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ فِي حُبِّهَا وَبَكَيْتَ دَارَهَا وَرَسْمَهَا.

وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: أَنَّ الْكَافِرِينَ لَا تُغْنِي عَنْهُمُ الْأَوْلَادُ وَلَا الْأَمْوَالُ، بَلْ يَهْلَكُونَ وَيُعَذَّبُونَ، كَمَا جَرَى لِآلِ فِرْعَوْنَ وَمَنْ قَبْلَهُمْ من المكذبين للرسل فيما جاؤوا بِهِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَحُجَجِهِ.

{كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران:11]".

أعاد الآية من جديد؟

طالب: نعم.

"وَحُجَجِهِ {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران:11] أَيْ: شَدِيدُ الْأَخْذِ" لكن الآية مضى تفسيرها وانتهت.

طالب: .............

"عنْ آيَاتِه وَحُجَجِهِ {وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران:11]".

طالب: .............

يأتي بما يُحتاج إليه في التفسير "{وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران:11] أَيْ: شَدِيدُ الْأَخْذِ أَلِيمُ الْعَذَابِ".

طالب: ............

أعاد الآية كاملة، عندكم؟

طالب: ............

ما يحتاج إلى إعادتها؛ لأنه لن يُفسِّر إلا هذه الجملة.

"{وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [آل عمران:11] أَيْ: شَدِيدُ الْأَخْذِ أَلِيمُ الْعَذَابِ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، الَّذِي قَدْ غَلَبَ كُلَّ شَيْءٍ، وَذَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رب سواه.

قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ * قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ} [آل عمران:12-13]

يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْكَافِرِينَ: {سَتُغْلَبُونَ} [آل عمران:12] أَيْ: فِي الدُّنْيَا، {وَتُحْشَرُونَ} [آل عمران:12] أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ {إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:12].

وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- لما أَصَابَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مَا أَصَابَ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، جَمَعَ الْيَهُودَ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاع وَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِمَا أَصَابَ قُرَيْشًا» فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنْ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ وَاللَّهِ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ، وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [آل عمران:12] إِلَى قَوْلِهِ: {لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ} [آل عمران:13].

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَيْضًا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدٍ أَوْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ} [آل عمران:13] أَيْ: قَدْ كَانَ لَكُمْ -أَيُّهَا الْيَهُودُ الْقَائِلُونَ مَا قُلْتُمْ- {آيَةٌ} [آل عمران:13] أَيْ: دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مُعِزٌّ دِينَهُ، وَنَاصِرٌ رَسُولَهُ، وَمُظْهِرٌ كَلِمَتَهُ، وَمُعْلٍ أَمْرَهُ، {فِي فِئَتَيْنِ} [آل عمران:13] أَيْ: طَائِفَتَيْنِ {الْتَقَتَا} [آل عمران:13] أَيْ: لِلْقِتَالِ {فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [آل عمران:13] وَهْمُ الْمُسْلِمُونَ، {وَأُخْرَى كَافِرَةٌ} [آل عمران:13] وَهْمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ.

وَقَوْلُهُ: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران:13] قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ -فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ: يَرَى الْمُشْرِكُونَ يَوْمَ بَدْرٍ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْهِمْ فِي الْعَدَدِ رَأْيَ أَعْيُنِهِمْ، أَيْ: جَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِيمَا رَأَوْهُ سَبَبًا لِنُصْرَةِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا لَا إِشْكَالَ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ بَعَثُوا عُمَيرَ بْنَ سَعْدٍ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ الْقِتَالِ يَحْزِر لَهُمُ الْمُسْلِمِينَ، فَأَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ، يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ قَلِيلًا".

عندك عُمير أم عمر؟

طالب: عمير بن سعد.

عندنا عمر.

{يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران:13] وهذا على القول الأول: أن الكفار رأوا المسلمين مثليهم؛ من أجل أن يقع الخوف والهلع في قلوبهم، فتضعف قواهم، وينتصر المسلمون عليهم.

والقول الثاني: أن المسلمين رأوا الكفار مثليهم رأي العين، وهم في حقيقة الأمر ثلاثة أمثالهم؛ ليتجلَّد المسلمون، ويتشجعوا، ويُقدِموا على القتال؛ لأنه حُرِّم عليهم الفرار، ولا مفر من المواجهة مع اعتمادهم وثقتهم بالله -جلَّ وعلا-، ومع ما أمدهم به من الملائكة فحصل ما حصل. 

"وَهَكَذَا كَانَ الْأَمْرُ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ لَمَّا وَقْعَ الْقِتَالُ أَمَدَّهُمُ اللَّهُ بِأَلْفٍ مِنْ خَوَاصِّ الْمَلَائِكَةِ وَسَادَاتِهِمْ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران:13] أَيْ: تَرَى الْفِئَةُ الْمُسْلِمَةُ الْفِئَةَ الْكَافِرَةَ مِثْلَيْهِمْ، أَيْ: ضِعْفَيْهِمْ فِي الْعَدَدِ، وَمَعَ هَذَا نَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ. وَهَذَا لَا إِشْكَالَ فِيهِ عَلَى مَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانُوا يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا".

يعني الإشكال في العدد في الواقع ثلاثمائة وثلاثة عشر، وأولئك كانوا ألفًا، يعني ثلاثة أمثالهم من هذه الوجهة ورد إشكال وأُجيب عنه.

"وَالْمُشْرِكِينَ كَانُوا سِتَّمِائَةٍ وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا. وَكَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَأْخُوذٌ مِنْ ظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ".

نعم أن هذا العدد ستمائة وستة وعشرون لما قال: {مِثْلَيْهِمْ} [آل عمران:13]، الثلاثمائة وثلاثة عشر، مثلاهم كم؟ ستمائة وستة وعشرون، هذا القول مأخوذ من الآية، مستنده الآية، ولكن الواقع أنهم بين التسعمائة والألف كما سيأتي.  

"وَلَكِنَّهُ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، وَخِلَافُ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ، كَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا سَأَلَ ذلك العبد الْأَسْوَدَ لِبَنِي الْحَجَّاجِ عَنْ عِدَّةِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: كَثِيرٌ، قَالَ: «كَمْ يَنْحَرُونَ كُلَّ يَوْمٍ؟» قَالَ: يَوْمًا تِسْعًا وَيَوْمًا عَشْرًا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْقَوْمُ مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ».

وَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعي، عَنْ حَارِثَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: كَانُوا أَلْفًا، وَكَذَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَا بَيْنَ التِّسْعِمِائَةِ إِلَى الْأَلْفِ، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ كَانُوا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى هَذَا فَيُشْكَلُ هَذَا الْقَوْلُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

لَكِنْ وَجَّهَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا، وَجَعْلَهُ صَحِيحًا كَمَا تَقُولُ: عِنْدِي أَلْفٌ، وَأَنَا مُحْتَاجٌ إِلَى مِثْلَيْهَا".

لتضمها إلى الألف؛ فتكون ثلاثة آلاف، يعني ثلاثة أضعاف.

"وَتَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ، كَذَا قَالَ. وَعَلَى هَذَا فَلَا إِشْكَالَ.

لَكِنْ بَقِيَ سُؤَالٌ آخَرُ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: مَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَدْرٍ: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا} [الْأَنْفَالِ:44]؟".

كل طائفة ترى الطائفة المقابلة قليلة؛ من أجل أن تتشجع، كل طائفة تتشجع وتُقدِم على القتال، لكن لو انحازت طائفة وهربت ونكصت ما صار فيه قتال وحصل ما حصل من الخير لهذه الأمة في غزوة الفرقان يوم بدر.

طالب: ...........

لا لا، عنده ألف ومحتاج إلى ضعفيها ألفين يكون المجموع ثلاثة.

طالب: ...........

إلى عددهم، التوجيهات والترجيحات تحتاج إلى مثل هذا التكلُّف.

"وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا كَانَ فِي حَالة، وَالْآخَرُ كَانَ فِي حَالةٍ أُخْرَى، كَمَا قَالَ السُّدِّي، عَنِ مُرة الطَّيِّبِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران:13] الْآيَةَ، قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: وَقَدْ نَظَرْنَا إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَرَأَيْنَاهُمْ يُضْعَفون عَلَيْنَا، ثُمَّ نَظَرْنَا إِلَيْهِمْ فَمَا رَأَيْنَاهُمْ يَزِيدُونَ عَلَيْنَا رَجُلًا وَاحِدًا، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال:44] الآية.

وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَقَدْ قُلِّلُوا فِي أَعْيُنِنَا حَتَّى قُلْتُ لِرَجُلٍ إِلَى جَنبِي: تَرَاهُمْ سَبْعِينَ؟ قَالَ: أَرَاهُمْ مِائَةً. قَالَ: فَأَسَرْنَا رَجُلًا مِنْهُمْ فَقُلْنَا: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: أَلْفًا. فَعِنْدَمَا عَايَنَ كُلُّ الْفَرِيقَيْنِ الْآخَرَ رَأَى الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ مِثْلَيْهِمْ، أَيْ: أَكْثَرُ مِنْهُمْ بِالضِّعْفِ؛ لِيَتَوَكَّلُوا وَيَتَوَجَّهُوا وَيَطْلُبُوا الْإِعَانَةَ مِنْ رَبِّهِمْ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَرَأَى الْمُشْرِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ؛ لِيَحْصُلَ لَهُمُ الرُّعْبُ وَالْخَوْفُ وَالْجَزَعُ وَالْهَلَعُ، ثُمَّ لَمَّا حَصَلَ المصَافُّ وَالْتَقَى الْفَرِيقَانِ قَلَّلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ فِي أَعْيُنِ هَؤُلَاءِ، وَهَؤُلَاءِ فِي أَعْيُنِ هَؤُلَاءِ؛ لِيُقْدِمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ.

{لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولا} [الأنفال:44] أَيْ: لِيُفَرِّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فَيُظْهِرَ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ عَلَى الْكُفْرِ، وَيُعِزَّ الْمُؤْمِنِينَ وَيُذِلَّ الْكَافِرِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آلِ عِمْرَانَ:123]".

طالب: ............

"التَّصاف" والمصاف التصاف واحد.

"وَقَالَ هَاهُنَا: {وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأولِي الأبْصَارِ} [آل عمران:13] أَيْ: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَمُعْتَبَرًا لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ وَفَهْمٌ يَهْتَدِي بِهِ إِلَى حِكمة اللَّهِ وَأَفْعَالِهِ، وَقَدَرِهِ الْجَارِي بِنَصْرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ".

طالب: ............

أغمار يعني: من عامي الناس الذين لا يعرفون شيئًا، ولا تفطَّنوا للأمور؛ لأنهم مشركون لا يقرؤون ولا يكتبون، واليهود والنصارى أهل كتاب يترفعون عليهم؛ لأنهم عندهم علم، وعندهم أخبار من سابقيهم ورثوها من آبائهم وأجدادهم، والمشركون ما عندهم منه كما تقارن بين متعلم وعامي، فهم بالنسبة لهم عوام.   

"قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:14-15].

يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا زُيِّن لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ أَنْوَاعِ الْمَلَاذِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينِ، فَبَدَأَ بِالنِّسَاءِ؛ لِأَنَّ الْفِتْنَةَ بِهِنَّ أَشَدُّ، كَمَا ثَبَتَ فِي صحيحٍ".

صحيح مسلم، لكن عندنا "كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحيح" والمراد صحيح مسلم.

طالب: ............

في الصحيح يعني صحيح البخاري كما في النكاح ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الرِّقاق، لكن الصواب في الصحيح؛ ليشمل البخاري ويشمل مسلمًا.

"كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحيح أَنَّهُ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّساء» فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقَصْدُ بِهِنَّ الْإِعْفَافَ وَكَثْرَةَ الْأَوْلَادِ، فَهَذَا مَطْلُوبٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ، كَمَا وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالتَّرْغِيبِ فِي التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ، «وإنَّ خَيْرَ هَذه الأمَّةِ من كَانَ أكْثرهَا نسَاءً»، وَقَوْلُهُ –صلى الله عليه وسلم-: «الدُّنْيَا مَتَاع، وخَيْرُ مَتَاعِهَا المرْأةُ الصَّالحةُ، إنْ نَظَرَ إلَيْها سَرَّتْهُ، وإنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْه، وإنْ غَابَ عَنْها حَفِظْتُه فِي نَفْسهَا وَمَالِهِ»، وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: «حُبِّبَ إلَيَّ النِّسَاءُ والطِّيبُ وجُعلَتْ قُرة عَيْني فِي الصَّلاةِ»، وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- من النِّسَاءِ إِلَّا الْخَيْلُ، وَفِي رِوَايَةٍ: مِنَ الْخَيْلِ إِلَّا النِّسَاءُ".

كأن الرواية الثانية أقرب؛ لأن الحديث الصحيح: «حُبِّبَ إليَّ من دُنْياكمُ النِّساءُ والطِّيبُ، وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ».

"وَحُبُّ الْبَنِينَ تَارَةً يَكُونُ لِلتَّفَاخُرِ وَالزِّينَةِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا، وَتَارَةً يَكُونُ؛ لِتَكْثِيرِ النَّسْلِ، وَتَكْثِيرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَهَذَا مَحْمُودٌ مَمْدُوحٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: «تَزَوَّجُوا الوَدُودَ الوَلُودَ، فَإنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأمَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ».

وَحُبُّ الْمَالِ -كَذَلِكَ- تَارَةً يَكُونُ لِلْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالتَّكَبُّرِ عَلَى الضُّعَفَاءِ، وَالتَّجَبُّرِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذَا مَذْمُومٌ، وَتَارَةً يَكُونُ لِلنَّفَقَةِ فِي الْقُرُبَاتِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالْقَرَابَاتِ وَوُجُوهِ الْبِرِّ وَالطَّاعَاتِ، فَهَذَا مَمْدُوحٌ مَحْمُودٌ شَرْعًا".

كل ما يُستعان به على طاعة الله، وما يُقرب إليه من الوسائل والأسباب المباحة ممدوح، والوسائل لها أحكام الغايات والمقاصد، وما كان على خلاف ذلك فهو مذموم، النساء أو المرأة لا شك أنها خير ما يُعين الإنسان لاسيما المرأة الصالحة على أمور دينه ودنياه، فهو يُحبها؛ لِما يستمتع بها؛ ولِما تُعينه عليه من تحصين أمور دينه، وتحصين نفسه، وإعانته على نوائب حياته، ففوائد النساء ما تُعَد؛ ولِما تُنجبه من الأولاد فيكونوا عونًا له وزينةً له في حياته، وإعانةً له على ما يحتاج من وجوه.   

"وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مِقْدَارِ الْقِنْطَارِ عَلَى أَقْوَالٍ، وَحَاصِلُهَا: أَنَّهُ الْمَالُ الْجَزِيلُ، كَمَا قَالَهُ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُ، وَقِيلَ: أَلْفُ دِينَارٍ. وَقِيلَ: أَلْفٌ وَمِائَتَا دِينَارٍ. وَقِيلَ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. وَقِيلَ: أَرْبَعُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ: سِتُّونَ أَلْفًا وَقِيلَ: سَبْعُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ: ثَمَانُونَ أَلْفًا. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ.

وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «القِنْطَارُ اثْنَا عَشَرَ ألْف أوقيَّةٍ، كُلُّ أوقِيَّةٍ خَيْر مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ».

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ، عن حماد بن سَلَمَةَ، بِهِ".

القنطار في هذا الخبر: «اثْنَا عَشَرَ ألْف أوقيَّةٍ، كُلُّ أوقِيَّةٍ خَيْر مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ» ما المقصود بهذا؟ المقصود أن المال كل أوقية منه خيرٌ مما بين السماء والأرض أو أن هذا من الأعمال المقدَّرة بالقنطار؟ من الأعمال الصالحة المقدَّرة بالقنطار، أما مجرد كونه مالًا يبلغ هذا المقدار، وكل جزءٍ منه خيرٌ مما في السماء والأرض لا يكون خيرًا إلا إذا كان طاعةً لله –جلَّ وعلا-، كما جاء في الصلاة على الجنازة: «مَنْ صَلَّى عَلَى جَنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ، ومن تَبِعَهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ»، والقيراط مثل الجبل العظيم، يعني من الثواب والأجر، يعني قنطار من الثواب والأجر أو للمال الذي يُتوصَل به إلى ذلك، إنما هو مجرد مال، «اثْنَا عَشَرَ ألْف أوقيَّةٍ، كُلُّ أوقِيَّةٍ خَيْر مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرْضِ» خير!

هذا المعنى لا شك أنه غير مقصود إذا كان المال بهذا المقدار كل جزءٍ منه خيرٌ مما في السماء والأرض فهذا غير مقصود بلا شك؛ لأن المال إذا لم يُستعمَل فيما يُقرب إلى الله –جلَّ وعلا- صار وبالًا على صاحبه.

طالب: ............

ماذا؟

طالب: ...........

«سَوْطِ أَحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وما فيها»؟

طالب: ............

لا لا أنا أقول: تريد مثله.

طالب: ............

طيب قنطار فيه دراهم، وفيه قناطير مقنطرة من الذهب والفضة في الجنة؟

طالب: ...........

لا، هو كأنه قيل في عملٍ من الأعمال الصالحة: قنطار، والقنطار اثنا عشر ألفًا وهكذا، مثل ما جاء في الصلاة على الجنازة وأنه قيراط.

طالب: ............

فيه أسواق، لكن بدون دراهم ما تبيع ولا تشتري، خُذ ما تُريد.

طالب: ............

فله قيراطان.

طالب: ...........

لا لا، مع الصلاة، واحد للصلاة، وواحد للاتباع. 

"وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بُنْدار، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ -ابْن بَهْدَلة- عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا".

طالب: ............

قيراط، لا، أنا أقول: تقدير العمل الصالح بالقيراط، فهنا يُقدَّر عمل صالح بالقنطار.

"عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَهَذَا أَصَحُّ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ عُمَرَ. وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا أُوقِيَّةٍ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ –رحمه الله-: حَدَّثَنا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الضَّرِيرُ، قال: حَدَّثَنَا شَبابة".

شَبَابة.

 "شَبَابَةُ، قال: حَدَّثَنَا مَخْلَد بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ، عَنْ زِرّ بْنِ حُبَيْش عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «القِنْطَارُ ألْفُ أوقِيَّةٍ ومائَتَا أوقِيَّةٍ».

وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ أَيْضًا، والأقربُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، كَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ".

ما يأتي الخلاف بهذا التباين إما أن يكون اثني عشر ألف أوقية أو ألفًا ومائتي أوقية، ويصدر من شخصٍ واحد مثل النبي –عليه الصلاة والسلام- إلا إن أمكن حمل الألف والمائتين على الذهب، وحمل اثني عشر ألفًا على الفضة فحينئذٍ يتقارب القولان.

"وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَرْدُويَه، مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدة الرَبَذِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يحنَّس أَبِي مُوسَى، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ قَرَأ مِائَةَ آيةٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، ومَنْ قَرَأ مِائَةَ آيةٍ إِلَى ألْف أصْبَح لَهُ قِنْطار مِنْ أجْرٍ عندَ اللَّهِ، القِنْطارُ مِنْهُ مِثلُ الجبَلِ العَظِيمِ»".

يعني من الثواب والأجر.

طالب: ...............

يحنَّس نعم بالسين.

طالب: ...............

لا لا بالسين، وعلى كل حال الخبر فيه موسى بن عبيد الربذي تقدم الكلام فيه مرارًا، وأنه ضعيف.

يعني من قرأ مائة هذا له ثواب، ولم يكتَب من الغافلين، ومن قرأ مائة إلى ألف أو مائتين؟

طالب: .............

كيف قرأ مائة إلى ألف؟ سبق الكلام على من قرأ مائة، من قرأ مائة آية يعني قرأ مائة آية لم يكن من الغافلين، ثم قرأ من المائة إلى الألف يعني بعد المائة الأولى أصبح له قنطارٌ من الأجر.

وعلى كل حال الخبر معروف أنه ضعيف.  

"وَرَوَاهُ وَكِيع، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيدة، بِمَعْنَاهُ، وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ زَيْدٍ اللَّخْمِيُّ بتنِّيس، قال: حَدَّثَنَا عَمْرو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حَدَّثَنَا حُمَيد الطَّوِيلُ، وَرَجُلٌ آخَرُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ} [آل عمران:14] قَالَ: «القِنْطَارُ أَلْفَا أُوقِيَّةٍ». صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشيخين ولم يخرجاه، هكذا رواه الحاكم.

وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظٍ آخَرَ فَقَالَ: أنبأنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّقِّي، قال: أنبأنا عمرو بن أَبِي سَلَمَةَ، قال: أنبأنا زُهَيْرٌ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ- قال: أنبأنا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَرَجُلٌ آخَرُ قَدْ سَمَّاهُ -يَعْنِي يَزِيدَ الرَّقَاشي- عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي قَوْلِهِ: قِنْطَارٌ، يَعْنِي: «أَلْفَ دِينَارٍ».

"وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه، عن الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ".

ورواه الطبراني "وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه، ورواه الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ".

طالب: ...............

لا، يقول: "وهكذا رواه ابن مردويه ورواه الطبراني" يعني ابن مردويه رواه كما تقدم، ورواه الطبراني يعني عن عبد الله بن محمد بن أبي مريم... إلى آخره.

يعني الإبهام في هذا الإسناد "حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَرَجُلٌ آخَرُ" افترض أنه رواه عن حُميد الطويل ويزيد الرقاشي، وهو ضعيف معروف، وإذا لم يُسمَّ فهو فيه رجل لم يُسمَّ، فهو ضعيف أيضًا، لكن إذا ضُم الضعيف سواءٌ ذُكِر أو لم يُذكَر إلى ثقة يتأثر الإسناد؟ لا، في البخاري: حدَّثنا مالك وآخر، والمراد به ابن لهيعة، يعني الذي ضعَّف الخبر الاعتماد على مالك، والثاني وجوده مثل عدمه ما يضر.

طالب: ...............

ولو كان يعني هو خرَّجه في معاجمه.   

نعم.

"وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُويه، والطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَمْرو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ سَوَاءً.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مُرْسَلًا عَنْهُ وَمَوْقُوفًا عَلَيْهِ: الْقِنْطَارُ أَلْفٌ وَمِائَتَا دِينَارٍ. وهو رواية العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ".

وكذا رواه العوفي عن ابن عباس.

"وَكَذَا رَوَاهُ العَوْفي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ: الْقِنْطَارُ أَلْفُ دِينَارٍ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا عارِم، عَنْ حَمّادٍ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيرِي عَنْ أَبِي نضْرة".

"عارم محمد بن الفضل السدوسي، عن حمَّاد، عن سعيدٍ الجُريري" تصغيرٍ.

طالب: .............

عارم محمد بن الفضل.

طالب: سعيد بن الجريري؟

سعيد الجُريري.

"عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيرِي عَنْ أَبِي نضْرة عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: الْقِنْطَارُ: مِلْءُ مَسْك الثَّوْرِ ذَهَبًا".

يعني: جلد الثور.

نعم.

"قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، مَرْفُوعًا. وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.

وَحُبُّ الْخَيْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: تَارَةً يَكُونُ ربطُها".

ربطَها.

"ربطَها أصحابُها معدَّة لِسَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى".

كما جاء في الحديث الصحيح «هي لثلاثة نفر: لواحدٍ أجر، ولآخر وزر، وللثالث ستر».

"مَتَى احْتَاجُوا إِلَيْهَا غزَوا عَلَيْهَا، فَهَؤُلَاءِ يُثَابُونَ. وَتَارَةً تُرْبَطُ فَخْرًا وَنِوَاءً لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ، فَهَذِهِ عَلَى صَاحِبِهَا وزْر. وَتَارَةً لِلتَّعَفُّفِ وَاقْتِنَاءِ نَسْلِهَا. وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا، فَهَذِهِ لِصَاحِبِهَا ستْر، كَمَا سَيَأْتِي الْحَدِيثُ بِذَلِكَ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} الآية [الْأَنْفَالِ: 60].

وَأَمَّا {الْمُسَوَّمَةِ} [آل عمران:14] فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: الْمُسَوَّمَةُ الرَّاعِيَةُ".

يعني كأنه يريد أنها السائمة، السائمة: هي التي ترعى.

"والمُطَهَّمة الحسَان، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ  بْنِ أبْزَى، والسُّدِّي، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَأَبِي سِنَان وَغَيْرِهِمْ.

وَقَالَ مَكْحُولٌ: الْمُسَوَّمَةُ: الغُرَّة وَالتَّحْجِيلُ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ".

يعني: مُعلَّمة، كأنها مسوَّمة يعني: مُعلَّمة من السمة، وهي العلامة.

"وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حديج".

حُدَيج.

"بن حُدَيج، عَنْ أَبِي ذَرٍّ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ليسَ مِنْ فَرَسٍ عَرَبِي إِلَّا يُؤذَنُ لَهُ مَعَ كُلِّ فَجْر يَدْعُو بِدَعْوَتَيْنِ، يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّكَ خَوَّلْتَنِي مِنْ خَوَّلْتَني من بَنِي آدَم، فاجْعَلنِي مِنْ أحَبِّ مَالِهِ وأهْلِهِ إِلَيْهِ، أوْ أحَب أهْلِه ومالِهِ إليهِ».

وَقَوْلُهُ: {وَالأنْعَامِ} [آل عمران:14] يَعْنِي: الْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ {وَالْحَرْث} [آل عمران:14] يَعْنِي: الْأَرْضَ الْمُتَّخَذَةَ للغِرَاس وَالزِّرَاعَةِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْح بْنُ عُبَادَةَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو نَعَامَةَ الْعَدَوِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ بُدَيل عَنْ إياسِ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ سُويد بْنِ هُبَيرة، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ مَالِ امْرِئٍ لَهُ مُهْرة مَأمُورة، أَوْ سِكَّة مَأبُورة» والْمَأْمُورَةُ الْكَثِيرَةُ النَّسْلِ، والسّكَّة: النَّخْلُ الْمُصْطَفُّ، وَالْمَأْبُورَةُ: الْمُلَقَّحَةُ.

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران:14] أَيْ: إِنَّمَا هَذَا زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا الْفَانِيَةُ الزَّائِلَةُ.

 {وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14] أَيْ: حُسْنُ الْمَرْجِعِ وَالثَّوَابِ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَر بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: لَمَّا أُنْزِلَتْ: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ} [آل عمران:14] قُلْتُ: الْآنَ يَا رَبِّ حِينَ زَيَّنْتَهَا لَنَا فَنَزَلَتْ: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} الآية [آل عمران:15].

وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ} [آل عمران:15] أَيْ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلنَّاسِ: أَأُخْبِرُكُمْ بِخَيْرٍ مِمَّا زُيِّنَ لِلنَّاسِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ زَهْرَتِهَا وَنَعِيمِهَا، الَّذِي هُوَ زَائِلٌ لَا مَحَالَةَ".

يعني مما ذُكِر من النساء والبنين والقناطير وغيرها من مُتع الدنيا الزائلة.

"ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} [آل عمران:15] أَيْ: تَتخَرّقُ بَيْنَ جَوَانِبِهَا وَأَرْجَائِهَا الْأَنْهَارُ، مِنْ أَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ؛ مِنَ الْعَسَلِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْمَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.

{خَالِدِينَ فِيهَا} [آل عمران:15] أَيْ: مَاكِثِينَ فِيهَا أَبَدَ الْآبَادِ لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً.

{وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [آل عمران:15] أَيْ: مِنَ الدَّنَس، والخَبَث، وَالْأَذَى، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَعْتَرِي نِسَاءَ الدُّنْيَا.

{وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ} [آل عمران:15] أَيْ: يَحِلُّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُهُ، فَلَا يَسْخَط عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ أَبَدًا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى الَّتِي فِي بَرَاءَةٌ: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التَّوْبَةِ:72] أَيْ: أَعْظَمُ مِمَّا أَعْطَاهُمْ من النعيم المقيم، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [آل عمران:15] أَيْ: يُعْطِي كُلًّا بِحَسْبِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعَطَاءِ".

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد.