تعليق على تفسير سورة آل عمران (08)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نعم.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

قال الإمام ابن كثيرٍ –رحمه الله تعالى-: "ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ: أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ والخشوع والخضوع والركوع والسجود والدأب فِي الْعَمَلِ؛ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ بِهَا مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي قَدَّرَهُ الله وَقَضَاهُ، مِمَّا فِيهِ مِحْنَةٌ لَهَا وَرِفْعَةٌ فِي الدَّارَيْنِ، بِمَا أَظْهَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مِنْ قُدْرَتِهِ الْعَظِيمَة".

في النُّسخة التي معنا "والدأب في العمل لها" يقول: سقطت من خاء "لها" هذه لها موقع؟

طالب: ................

"في العمل لها" لكن لها موقع؟

طالب: ................

لكن هل لها موقع أم لا؟

طالب: للعبادة يمكن بكثرة العبادة؟

لكن ما لها موقع.

طالب: ................

"والدأب فِي الْعَمَلِ لها؛ لِمَا يُرِيدُ اللَّهُ تعالى".

طالب: تعود للعبادة المذكورة قبل، أمروها بكثر العبادة.

الدأب في العمل معروف.

على كل أمرها سهل هي سقطت من خاء، مفهومها أنها موجودة في بقية النُّسخ. 

"حَيْثُ خَلَقَ مِنْهَا وَلَدًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فقال تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] أَمَّا الْقُنُوتُ فَهُوَ الطَّاعَةُ فِي خُشُوعٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الْبَقَرَةِ:116]".

القنوت يأتي في لغة العرب وفي النصوص أيضًا على عدة معانٍ أوصلها بعضهم إلى عشرة، منها طول القيام، ومنها التذلل والخضوع، ومنها الدعاء، ومنها القنوت في الوتر، إلى غير ذلك من المعاني التي استقصاها الحافظ العراقي في بيتين، مَن يذكر الأبيات؟

"وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي عَمْرو بْنُ الْحَارِثِ: أَنَّ دَرَّاجا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم- قال: «كُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرآنِ يُذْكَرُ فِيهِ القُنُوتُ فَهُوَ الطَّاعَةُ»".

لكن في سنده درَّاج أبو السمح وهو مُضعَّف، وأيضًا روايته عن أبي الهيثم تزداد ضعفًا.

طالب: ..............

قانتين: ساكتين، وهذا من المعاني.

"وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طريق ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ دَرّاج، بِهِ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ".

حتى لفظه ما يظهر عليه أنه من نور النبوة «كُلُّ حَرْفٍ فِي الْقُرآنِ يُذْكَرُ فِيهِ القُنُوتُ فَهُوَ الطَّاعَةُ» هذا الاستقراء يَرد من بعض الصحابة من التابعين فمن دونهم.

"وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ مَرْيَمُ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- تَقُومُ حَتَّى تَتَوَرَّمَ كَعْبَاهَا، وَالْقُنُوتُ هُوَ: طُولُ الرُّكُوعِ، فِي الصَّلَاةِ، يَعْنِي امْتِثَالًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ} [آل عمران:43] بَلْ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي اعْبُدِي لِرَبِّكِ {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] أَيْ: كوني منهم".

تقوم حتى تتورم كعباها، والنبي –عليه الصلاة والسلام- صحَّ عنه أنه قام من الليل حتى تورمت قدماه، قالت له عائشة: أليس قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أَفلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟» هذا من شكر النِّعمة أن يزيد الإنسان في طاعته لله –جلَّ وعلا- إذا توالت عليه النِّعم، هذا من الشُّكر.

"{وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] أَيْ: كوني منهم" يستدل بعضهم على وجوب صلاة الجماعة بالأمر بالركوع مع الراكعين، وأن هذا دليلٌ على وجوب صلاة الجماعة، فهل القول لمريم: {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران:43] يدل على وجوب الجماعة عليها؟ 

طالب: ..............

يعني من جملتهم سواءٌ كنتِ معهم وبينهم أو منفردة، لكن إذا قدحنا في هذا قدحنا في ذاك؛ لأنه يُمكن أن يُقال: اركعوا مع الراكعين يعني كونوا من جملتهم، وتبقى الأدلة الصحيحة الصريحة المشددة على صلاة الجماعة، يعني ليس معناه أنه انتهى الاستدلال، ويفرح به من يُنادي بأن صلاة الجماعة سُنَّة، وأنها غير واجبة، وأنها تُفعَل بالبيت، وأنها كذا وكذا، المسألة فيها أدلة كثيرة متوافرة ومتظاهرة وصحيحةٌ صريحة.

طالب: ..............

لا، السجود أفضل، والمفاضلة بين السجود والقيام، منهم من يقول: السجود أفضل؛ لأن المصلي أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، ومنهم من يقول: القيام أفضل؛ لشرف ذِكره، وهو القرآن.

طالب: ..............

ما نجزم حتى يأتينا دليلٌ صريح، ما نقول: إنها واجبة عليهم حتى نجد دليلًا صريحًا في الموضوع، أما هذا فهو مُحتمِل، ولا أجد من قال به بوجوبها عليها.

"وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: رَكَدَتْ فِي مِحْرَابِهَا رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً وَقَائِمَةً، حَتَّى نَزَلَ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي قَدَمَيْهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا".

الرواية اللاحقة رواية ابن عساكر "في عينيها" "الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي قَدَمَيْهَا" هذا في القيام "رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً وَقَائِمَةً، حَتَّى نَزَلَ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي قَدَمَيْهَا" رضي الله عنها وأرضاها.

في الرواية اللاحقة قال: "سَجَدت حَتَّى نَزَلَ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي عَيْنَيْهَا" وهو المعروف في الماء بأنواعه إنما يكون في العينين.

طالب: ..............

تتورم، لكن هل هو من الماء؟

طالب: ..............

على كل حال هو يُمَر كما جاء.

"وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ الكُدَيمي -وَفِيهِ مَقَالٌ-: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرِ بْنِ بَرّي، قال: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِي قَوْلِهِ: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي} [آل عمران:43] قَالَ: سَجَدت حَتَّى نَزَلَ الْمَاءُ الْأَصْفَرُ فِي عَيْنَيْهَا".

تاريخ ابن عساكر كتابٌ كبير يقع في ثمانين مجلدًا، طُبِع منه أكثر من خمسين الآن في أحجامٍ كبيرة.

طالب: ..............

المجمع السوري؟ ما رأيته نحن متابعون ووراءنا من يُتابع....

طالب: ..............

طبعة المجمع السوري من الذي حقَّقها؟

طالب: ..............

لأنه وصل تسعين، ووصل مائة بطبعات ثانية، طبعة العمروي غرامة تسعون، والفهارس عشرة، أما طبعة المجمع السوري فهذه ... سكَّتة، وهذا التاريخ يقول ابن خلِّكان في ترجمة ابن عساكر يقول: لو وضع القلم على الورق من ولادته إلى أن مات لا يُمكن أن يُنجِز هذا العمل إلا بإعانةٍ إلهية.

طالب: ..............

له مختصرات من أفضلها، بل أفضلها (تهذيب تاريخ ابن عساكر) للشيخ عبد القادر بن بدران الدومي، لكن مع  الأسف أنه ما صدر منه إلا سبعة، يعني تعدل ربع الكتاب يمكن أو ثلثه.

"وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قال: حَدَّثَنَا ضَمْرة بن شوذب".

عن ابن شوذب.

 "عَنِ ابْنِ شَوْذَب قَالَ: كَانَتْ مَرْيَمُ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- تَغْتَسِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ.  

ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ بَعْدَمَا أَطْلَعَهُ عَلَى جَلِيَّةِ الْأَمْرِ: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [آل عمران:44] أَيْ: نَقُصُّهُ عَلَيْكَ {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران:44] أَيْ: مَا كُنْتَ عِنْدَهُمْ يَا مُحَمَّدُ فَتُخْبرهم عَنْهُمْ مُعَايِنَةً عَمَّا جَرَى".

يعني هذا قبل وجوده –عليه الصلاة والسلام- بأزمانٍ طويلة، يعني في حدود ستمائة سنة؛ لأنه– عليه الصلاة والسلام- وُلِد سنة خمسمائة وسبعين من الميلاد، والأخبار عن الأمم السابقة كلها وصلت إليه –عليه الصلاة والسلام- بالوحي، وللقطعية في ثبوت هذه الأخبار المُبلَّغة إليه –عليه الصلاة والسلام- بالطرق القطعية يُعبَّر عنها بالرؤية؛ لأن الخبر القطعي قريبٌ من الرؤية في القطعية، الخبر القطعي {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:1]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [الفجر:6]، هذا يُعادل المرئي المُشاهَد في القطعية ما ثبت بالدليل القطعي.

"بَلْ أَطْلَعَكَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ كَأَنَّكَ كُنْتَ حَاضِرًا وَشَاهِدًا لِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حِينَ اقْتَرَعُوا فِي شَأْنِ مَرْيَمَ أَيُّهُمْ يَكْفُلُهَا؛ وَذَلِكَ لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْأَجْرِ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قال: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، قال: حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّة، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ -وَأَبِي بَكْرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ- قَالَ: ثُمَّ خَرَجَتْ بِهَا -يَعْنِي أُمَّ مَرْيَمَ بِمَرْيَمَ- تَحْمِلُهَا فِي خِرَقِهَا إِلَى بَنِي الْكَاهِنِ بْنِ هَارُونَ أَخِي مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَالَ: وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَلُونَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ".

في المخطوط: "في خرقتها" يعني تحملها فيما يُشبه المهد صغيرة هي.

"وَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَلُونَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَا يَلِي الحَجَبَة مِنَ الْكَعْبَةِ -فَقَالَتْ لَهُمْ: دُونكم هَذِهِ النَّذِيرة فَإِنِّي حَرَّرْتُهَا وَهِيَ أنثى".

"وهي ابنتي" و"النذيرة" المنذورة، فعيل بمعنى مفعول.

"وَلَا تَدْخُلُ الْكَنِيسَةَ حَائِضٌ، وَأَنَا لَا أَرُدُّهَا إِلَى بَيْتِي؟ فَقَالُوا: هَذِهِ ابْنَةُ إِمَامِنَا -وَكَانَ عِمْرَانُ يَؤُمُّهُمْ فِي الصَّلَاةِ- وَصَاحِبَ قُرْبَانِنَا فَقَالَ زَكَرِيَّا: ادْفَعُوهَا إليَّ: فَإِنَّ خَالَتَهَا تَحْتِي. فَقَالُوا: لَا تَطِيبُ أَنْفُسُنَا، هِيَ ابْنَةُ إِمَامِنَا فَذَلِكَ حِينَ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا بِأَقْلَامِهِمْ الَّتِي يَكْتُبُونَ بِهَا التَّوْرَاةَ، فَقَرَعَهُم زَكَرِيَّا، فَكَفَلَهَا.

وَقَدْ ذَكَرَ عِكْرِمَةُ أَيْضًا، وَالسُّدِّيُّ، وَقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ -دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ- أَنَّهُمْ ذهبوا إِلَى نَهْرِ الْأُرْدُنِّ، وَاقْتَرَعُوا هُنَالِكَ عَلَى أَنْ يُلْقُوا أَقْلَامَهُمْ فِيهِ فَأَيُّهُمْ يثبتَ فِي جَرْية الْمَاءِ فَهُوَ كَافِلُهَا، فَأَلْقَوْا أَقْلَامَهُمْ فَاحْتَمَلَهَا الْمَاءُ إِلَّا قَلَمَ زَكَرِيَّا فإنه ثَبَتَ. وَيُقَالُ: إِنَّهُ ذَهَبَ صُعُدًا يَشُقُّ جَرْيَةَ الْمَاءِ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ كَبِيرهُمْ وَسَيِّدهُمْ، وَعَالِمهُمْ وَإِمَامهُمْ وَنَبِيّهُمْ- صَلَوَاتُ الله وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ-.

قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ * قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:45-47].

هَذِهِ بِشَارَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ -عَلَيْهَا السَّلَامُ- بِأَنْه سَيُوجَدُ مِنْهَا وَلَدٌ عَظِيمٌ، لَهُ شَأْنٌ كَبِيرٌ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ} [آل عمران:45] أَيْ: بِوَلَدٍ يَكُونُ وُجُودُهُ بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ، أَيْ: بِقَوْلِهِ لَهُ: "كُنْ" فَيَكُونُ، وَهَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: {مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ} [آلِ عِمْرَانَ:39] كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ.

{اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [آل عمران:45] أَيْ يَكُونُ مَشْهُورًا بِهَذَا فِي الدُّنْيَا، يَعْرِفُهُ الْمُؤْمِنُونَ بِذَلِكَ.

وَسُمِّيَ الْمَسِيحُ، قَالَ السَّلَفِ: لِكَثْرَةِ سِيَاحَتِهِ".

يعني هل المسيح أو صفة؟ اسمه عيسى لا إشكال فيه هذا اسمه الأصلي، والله –جلَّ وعلا- يقول: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [آل عمران:45] فليكن اسمًا ثانيًا، وإلا فالأصل لو ما قال: {اسْمُهُ الْمَسِيحُ} [آل عمران:45] من سبب التسمية تقتضي أنه صفة فيما قيل في ذلك على ما سيأتي، لكن يبقى أن الله –جلَّ وعلا- نصَّ على أن اسمه المسيح، فهو اسمٌ من أسمائه.

وفي أسماء النبي –عليه الصلاة والسلام- التي ذُكِرت في كُتب السير كثيرٌ منها أوصاف.

طالب: ..............

أين؟

طالب: ..............

كلهم يُسمى المسيح، لكن الأصل أن الاسم عيسى، وذاك له اسم أم ما له اسم الدجال؟ وسُمي مسيحًا أو قيل له: مسيح؛ لِما ذُكِر، وقيل لعيسى: مسيح الهداية، وقيل له: مسيح؛ لِما ذُكِر وسيُذكر هنا.

"وَسُمِّيَ الْمَسِيحُ، قَالَ السَّلَفِ: لِكَثْرَةِ سِيَاحَتِهِ، وَقِيلَ: أَنَّهُ كَانَ مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ لَا أخْمَص لَهُمَا".

"مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ لَا أخْمَص لَهُمَا" يعني: ما فيهما متساوية الرِّجل، ما فيها ضمور؛ لأن أكثر الناس... أنت مسيح أنت؟

طالب: ...........

الأخمص عندك واضح.

لماذا الكليات العسكرية ما تقبل هذا النوع الذي هو مسيح؟

طالب: لا يستطيع الوقوف طويلًا حتى الجري.

وأنت ما شاء الله عليك.

أبا عبد الرحمن هل النحف له دور يعني لو سمِنت تغطى هذا الفراغ؟

طالب: ...........

طالب: نعم يا شيخ.

نعم.

هذا الكلام يُوضِّح معنى كلمة مسيح وأخمص، وأن هذا أفضل أو ذاك.

"وَقِيلَ: لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا مَسَحَ أَحَدًا مِنْ ذَوِي الْعَاهَاتِ بَرِئَ، بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى".

يصير فعيل بمعنى فاعل، والأول فعيل بمعنى مفعول هذا ماسح وفي الأول ممسوح.

"وَقَوْلُهُ: {عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [آل عمران:45] نِسْبَةً لَهُ إِلَى أُمِّهِ، حَيْثُ لَا أَبَ لَهُ".

نعم، عيسى ابن مريم نُسِب إلى أمه؛ لأنه ليس له أب، وهذه نسبة شرف بخلاف غيره ممن له أب يُنسَب إلى أبيه، والله –جلَّ وعلا- يقول: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} [الأحزاب:5]، وقول من قال: إن الناس يوم القيامة يُدعَون بأمهاتهم قولٌ ليس بصحيح، بل إن المؤمن يُدعى بأحب الأسماء إليه كما جاء في الحديث الصحيح، وأما أنهم يُدعَون بأمهاتهم تكريمًا لعيسى ابن مريم، قالوا: وسترًا على أولاد الزنا، واستدلالًا بقوله –جلَّ وعلا-: {يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء:71] إمام جمع: أُم، وهذا كلام غير صحيح.

طالب: ...........

غدرة فلان بن فلان، ابن أبيه.

"{وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [آل عمران:45] أَيْ: لَهُ وَجَاهَةٌ وَمَكَانَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، بِمَا يُوحِيهِ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ، وَيُنَزِّلُه عَلَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا مَنَحَهُ بِهِ".

مما يدل على أن الوجاهة الحقيقية هي ما يكون سببها الدين والعمل بما يُوجبه الله –جلَّ وعلا- أما وجهات الدنيا المذكورة بسبب أمور الدنيا أو بسبب أعمال الدنيا فهذه مما لها قيمة عند الله –جلَّ وعلا- في الميزان إذا لم يُقارنها العمل الصالح.

طالب: ...........

نعم، هذه كرامة لأمه.

"وَفِي الدَّارِ الْآخِرَةِ يَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ فِيمَنْ يَأْذَنُ لَهُ فِيهِ".

لأن الأصل في عموم الخلق أن يُولَد بين أبوين آدم من غير أبوين، حواء من أبٍ بلا أم، وعيسى من أمٍ بلا أب.

طالب: ...........

من ضلعه نعم خُلِقت من ذكرٍ دون أنثى.

طالب: ...........

على كل حال هو أصلها.

"فَيَقْبَلُ مِنْهُ، أُسْوَةً بِإِخْوَانِهِ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وسلامه عَلَيْهِمْ أجمعين. 

وَقَوْلُهُ: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلا} [آل عمران:46] أَيْ: يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فِي حَالِ صِغَرِهِ، مُعْجِزَةً وَآيَةً، وَفِي حَالِ كُهُولِتهِ حِينَ يُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ بِذَلِكَ. {وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:46] أَيْ: فِي قَوْلِهِ وَعَمَلِهِ، لَهُ عِلْمٌ صَحِيحٌ وَعَمَلٌ صَالِحٌ.

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيط، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا تَكَلَّمَ مَوْلُود فِي صِغَرِهِ إِلَّا عِيسَى وصَاحِبَ جُرَيْج».

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو الصَّقْرِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَزْعَة، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ -يَعْنِي الْمَرْوَزِيَّ-قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ -يَعْنِي ابْنَ حَازِمٍ- عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لمَ يَتَكَّلَمْ فِي المهدِ إِلَّا ثَلاثَة، عِيسى، وصَبِيٌّ كَانَ فِي زَمَنِ جُرَيْج، وصبيٌّ آخَرُ»".

الذي قال لأمه وهو على كتفها: أقدمي، في قصة الأخدود، هؤلاء الثلاثة جاء الحصر فيهم في الصحيح في البخاري، وجاء زيادةً عليهم حيث وصلوا إلى سبعة الذين تكلموا في المهد، وبعض الشُّراح ما وُفِّق يشرح هذا الحديث والنبي –عليه الصلاة والسلام- والحديث في الصحيح: «لمَ يَتَكَّلَمْ فِي المهدِ إِلَّا ثَلاثَة» ثم يقول هذا الشارح: في هذا الحصر نظر، هذا يُنظِّر في كلام من؟ كلام الرسول –عليه الصلاة والسلام- نعم الرسول –عليه الصلاة والسلام- يُوحى إليه بالشيء فيذكره، ويُزاد عليه فيما بعد فيذكره.

طالب: ..............

قال: وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الأنبياء ومسلم أيضًا. هذا ما فيه إشكال موجود في البخاري ومسلم.

طالب: لماذا عزاه لابن أبي حاتم ولم يعزُه للبخاري؟

أنا أعرف ماذا يقول، لكن أحيانًا يعزو للمسند وهو في الصحيح، والإمام ابن كثير –رحمة الله عليه- من الحُفَّاظ، يحفظ المسند عن ظهر قلب، فهل يُقال: يحفظ المسند ويخفى عليه ما في الصحيحين؟ ما يمكن.  

طالب: ..............

نعم، لكن توبِع عن نفس الصحابي فهو الحديث هو هو.

"فَلَمَّا سَمِعَتْ بِشَارَةَ الْمَلَائِكَةِ لَهَا بِذَلِكَ، عَنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- قَالَتْ فِي مُنَاجَاتِهَا: {رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران:47]".

استبعاد {أَنَّى} [آل عمران:47] يعني تستبعد أن يكون منها ولد ولم يمسسها بشر، وهذا في تصور عموم الناس ماشٍ أنه ما يُمكن أن يُوجد ولد من غير زواج من غير أبوين، فيُستبعَد أن يوجَد مثل هذا، لكنها المعجزة الإلهية.

"تَقُولُ: كَيْفَ يُوجَدُ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي وَأَنَا لَسْتُ بِذَاتِ زَوْجٍ وَلَا مِنْ عَزْمِي أَنْ أَتَزَوَّجَ، وَلَسْتُ بَغيا؟ حَاشَا لِلَّهِ. فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ -عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ-: {كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران:47] أَيْ: هَكَذَا أمْرُ اللَّهِ عَظِيمٌ، لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ. وَصَرَّحَ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} [آل عمران:47] وَلَمْ يَقُلْ: "يَفْعَلُ" كَمَا فِي قِصَّةِ زَكَرِيَّا، بَلْ نَصَّ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يَخْلُقُ".

يخلق ابتداءً ما هو بسبب مزاوجة كما حصل لزكريا، ذاك فعل، وهذا خلق، ما الفرق بينهما؟ أن هذا ابتداءً بالكلمة ما فيه عملية سابقة لهذا النِّتاج، وأما زكريا وزوجته وإن كان فيه استبعاد امرأته عاقر، وهو كبير جدًّا في السن، لكن الله يفعل ما يشاء.

"بَلْ نَصَّ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يَخْلُقُ؛ لِئَلَّا يَبْقَى شُبْهَةً، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آل عمران:47] أَيْ: فَلَا يَتَأَخَّرُ شَيْئًا، بَلْ يُوجَدُ عَقِيبَ الْأَمْرِ بِلَا مُهْلَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [الْقَمَرِ:50] أَيْ: إِنَّمَا نَأْمُرُ مَرَّةً وَاحِدَةً لَا مَثْنَوِيَّةَ فِيهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ سَرِيعًا كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ".

طالب: .............

إذا قال: كُن فيكون، إذا قال: كُن، حصل، وليس إذا قال: كَ يحصل ثم تأتي النون لا.

طالب: .............

يمكن في شرعهم هذا أفضل.

"قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ * وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران: 48-51].

يَقُولُ تَعَالَى -مُخْبِرًا عَنْ تَمَامِ بِشَارَةِ الْمَلَائِكَةِ لِمَرْيَمَ بِابْنِهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ- أَنَّ اللَّهَ يُعَلِّمُهُ {الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:48] الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكِتَابِ هَاهُنَا الْكِتَابَةُ. وَالْحِكْمَةُ تَقَدَّمَ تَفْسِيرهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

{وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} [آل عمران:48] فَالتَّوْرَاةُ: هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُنزِل عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ".

جاء في مواضع تفسير الكتاب بالقرآن، والحِكمة بالسُّنَّة، لكن هنا ما يُناسب، نقول: ما يصدق عليه هذا، {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [آل عمران:48] يُعلمه الكتاب والسُّنَّة؟

طالب: .............

{وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ} [آل عمران:48] والكتاب ما اسمه؟ غير التوراة والإنجيل؟

"فَالتَّوْرَاةُ: هُوَ الْكِتَابُ الَّذِي أُنزِل عَلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، وَالْإِنْجِيلُ: الَّذِي أُنزِل عَلَى عِيسَى ابن مريم- عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَقَدْ كَانَ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَحْفَظُ هَذَا وَهَذَا".

قد جاء في الحديث الصحيح «أن هذه الأمة أناجيلها في صدورها» فهم يحفظون القرآن، ومفهومه أن الأمم السابقة لا تحفظ كُتبها، فهل هذا من خواص الأنبياء أنهم يحفظون أو أن هذا عام فيهم وفي أممهم، يُقال عن عيسى: إنه يحفظ هذا وهذا، يحفظ التوراة ويحفظ الإنجيل أو يكون هذا هو الغالب في هذه الأمة، وذاك الغالب في تلك الأمم؟

طالب: ..............

هو مُيسَّر، لكن يحفظونه، هم استُحفِظوا ولم يحفظوا، ولذلك حصل فيهم التحريف والتصحيف. 

طالب: ..............

هذا من الأسباب وواضح، لكن الأمم السابقة يحفظون أم ما يحفظون؟

طالب: ..............

وفي هذه الأمة من يحفظ ماذا صارت مزيتنا؟

طالب: ..............

قوله: «أناجيلها في صدورها» يُفهَم منه أن غير هذه الأمة بخلاف ذلك. 

"وَقَوْلُهُ: {وَرَسُولا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [آل عمران:49] أَيْ: يَجْعَلُهُ رَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَائِلًا لَهُمْ: {أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:49]، وَكَذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ: يُصَوِّرُ مِنَ الطِّينِ شَكْلَ طَيْرٍ، ثُمَّ ينفخُ فِيهِ، فَيَطِيرُ عِيَانًا بِإِذْنِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- الَّذِي جَعَلَ هَذَا مُعْجِزَةً له تدُلّ عَلَى أَنَّه أَرْسَلَهُ.

{وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ} [آل عمران:49] قِيلَ: هُوَ الَّذِي يُبْصِرُ نَهَارًا، وَلَا يُبْصِرُ لَيْلًا. وَقِيلَ بِالْعَكْسِ. وَقِيلَ: هُوَ الْأَعْشَى. وَقِيلَ: الْأَعْمَشُ".

"الأعشى" العكس هو العكس، الأعشى: الذي يُبصِر بالليل، ولا يُبصِر بالنهار.

{الأكْمَهَ} [آل عمران:49] "وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى" هذا هو الأشبه، وهو الأرجح، وقيل في قتادة بن دعامة السدوسي: أنه وُلِد أكمه.

"وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي يُولَدُ أَعْمَى. وَهُوَ أَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي المعجزة وأقوى في التحدي، {والأبرص} [آل عمران:49] معروف.

{وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} [آل عمران:49]. قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: بَعَثَ اللَّهُ كُلَّ نَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بِمُعْجِزَةٍ تُنَاسِبُ أَهْلَ زَمَانِهِ، فَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى زَمَانِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- السِّحْرُ وَتَعْظِيمُ السَّحَرَةِ. فَبَعَثَهُ اللَّهُ بِمُعْجِزَةٍ بَهَرَت الْأَبْصَارَ، وَحَيَّرَتْ كُلَّ سَحَّارٍ، فَلَمَّا اسْتَيْقَنُوا أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ الْعَظِيمِ الْجَبَّارِ انْقَادُوا لِلْإِسْلَامِ، وَصَارُوا مِنَ الْأَبْرَارِ. وَأَمَّا عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فبُعث فِي زَمَنِ الْأَطِبَّاءِ وَأَصْحَابِ عِلْمِ الطَّبِيعَةِ، فَجَاءَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَيْهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَيَّدًا مِنَ الَّذِي شَرَّعَ الشَّرِيعَةَ".

"إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُؤَيَّدًا مِنَ الَّذِي شَرَّعَ الشَّرِيعَةَ" هذا الاستثناء منقطع أم متصل؟ فيه أحد غير عيسى؟

طالب: ..............

وضرب البحر فانفلق.

يعني الأصل أن هذه الخصيصة لعيسى –عليه السلام-، أما كونه في قضيةٍ يحتاج إلى هذه المسألة دون غيرها من القضايا كلها فهذا ما يُسمى يُحيي الموتى.

"فَمِنْ أَيْنَ لِلطَّبِيبِ قُدْرَةٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْجَمَادِ، أَوْ عَلَى مُدَاوَاةِ الْأَكْمَهِ، وَالْأَبْرَصِ وَبَعْثِ مَنْ هُوَ فِي قَبْرِهِ رَهِينٌ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ؟ وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بُعِث فِي زَمَنِ الْفُصَحَاءِ وَالْبُلَغَاءِ وَنَحَارِيرِ الشُّعَرَاءِ، فَأَتَاهُمْ بِكِتَابٍ مِنَ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- لَوِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ، أَوْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِنْ مِثْلِهِ، أَوْ بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَبَدًا، وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ كَلَامَ الرَّبِّ –عزَّ وجلَّ- لَا يُشْبِهُهُ كَلَامَ الْخَلْقِ أَبَدًا.

وَقَوْلُهُ: {وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آل عمران:49] أَيْ: أُخْبِرُكُمْ بِمَا أَكَلَ أَحَدُكُمُ الْآنَ، وَمَا هُوَ مُدَّخِرٌ لَهُ فِي بَيْتِهِ لِغَدِهِ. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} [آل عمران:49] أَيْ: فِي ذَلِكَ كُلِّهِ {لآيَةً لَكُمْ} [آل عمران:49] أَيْ: عَلَى صدْقي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ. {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [آل عمران:49].

{وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ} [آل عمران:50] أَيْ: مُقَرِّرٌ لَهُمْ ومُثَبّت. {وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50] فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- نسَخ بَعْضَ شَرِيعَةِ التَّوْرَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلَيْنِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: لَمْ يَنْسَخْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِنَّمَا أحَلّ لَهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ فأخطأوا، وانكَشَفَ لَهُمْ عَنِ الْمُغَطَّى فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَلأبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ} [الزُّخْرُفِ:63]. وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قوله: {وَلأحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50] يدل على أنه يأتي بأحكام جديدة، فما كان حكمه حرامًا في شريعة موسى جاء عيسى بحِله، أما كونه مما اختلفوا فيه، وبيَّن لهم الحق في ذلك فلا يتفق مع الآية، وإن اتفق مع غيرها، فيكون يأتي بهذا وذاك، وإلا فما معنى كونه رسولًا من أولي العزم، وهو جاء لتقرير شريعةٍ سابقة ولم يأتِ بجديد؟ وهذا هو حد النبي عند بعضهم، وأما الرسول فعندهم أنه لا بُد أن يأتي بشرعٍ جديد.

طالب: .............

مقرًّا له {وَمُصَدِّقًا} [آل عمران:50] أي مقرًّا أو مقرِّرًا ما يفرق، ونُصب؛ لأنه بدل من {وَمُصَدِّقًا} [آل عمران:50] التفسير بعد أي...

طالب: ..............

هو مثبت له، الحكم واحد.

"ثُمَّ قَالَ: {وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [آل عمران:50] أَيْ: بِحُجَّةٍ وَدَلَالَةٍ عَلَى صِدْقِي فِيمَا أَقُولُهُ لَكُمْ. {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ} [آل عمران:50-51] أَيْ: أَنَا وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ فِي الْعُبُودِيَّةِ لَهُ وَالْخُضُوعِ وَالِاسْتِكَانَةِ إِلَيْهِ. {هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [آل عمران:51]".

طالب: ................

لا لا، الأبكم، الأكمه: الأعمى.

"قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:52-54].

يَقُولُ تَعَالَى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى} [آل عمران:52] أَيِ: اسْتَشْعَرَ مِنْهُمُ التَّصْمِيمَ عَلَى الْكُفْرِ وَالِاسْتِمْرَارَ عَلَى الضَّلَالِ قَالَ: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [آل عمران:52] قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ مَنْ يَتبعني إِلَى اللَّهِ؟ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ: أي مَنْ أَنْصَارِي مَعَ اللَّهِ؟ وَقَوْلُ مُجَاهِدٍ أقربُ".

(إلى) تأتي بمعنى (مع)، مثل إلى المرفقين أي: مع المرفقين.

"وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ أَنْصَارِي فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ؟ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ، قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ: «مَنْ رَجُل يُؤْوِيني حتى أُبَلِّغَ كلامَ رَبِّي، فإنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أنْ أُبَلِّغَ كَلامَ رَبِّي»، حَتَّى وَجَدَ الْأَنْصَارَ فَآوَوْهُ وَنَصَرُوهُ، وَهَاجَرَ إِلَيْهِمْ فَواسَوْهُ، وَمَنَعُوهُ مِنَ الْأَسْوَدِ وَالْأَحْمَرِ- رضي الله عنهم وأرضاهم-".

فاستحقوا بهذا أن يقول لهم النبي –عليه الصلاة والسلام- ما قال بعد قسمة غنائم حُنين، يعني أعطى صناديد العرب من قريش وغيرهم ومن ثقيف أعطاهم العطاء الكثير، أعطى إلى مائةٍ من الإبل، وأعطى غنمًا بين واديين، ولم يُعطِ الأنصار شيئًا، فكأنهم وجدوا في أنفسهم، فقال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «أَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَنصرف النّاسُ بِالشّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَنصرفون بِرَسُولِ اللّهِ؟» صلى الله عليه وسلم، «النَّاسُ دِثَارٌ وَالْأَنْصَارُ شِعَارٌ»، الشعار الذي يلي البدن يعني أقرب شيء إلى قلبه، وغيرهم دثار وهو الذي فوق الشعار، وأخبرهم أنه سيكون فيما بعد أثرة، بمعنى أن من يلي يؤثِر غيرهم عليهم.

"وَهَكَذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ –عليه السلام- انْتدَبَ لَهُ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَآمَنُوا بِهِ ووازَرُوهُ وَنَصَرُوهُ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُمْ: {قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:52-53] الْحَوَارِيُّونَ، قِيلَ: كَانُوا قَصّارين".

" قَصّارين" خياطين.

"وَقِيلَ: سُمُّوا بِذَلِكَ؛ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ، وَقِيلَ: صَيَّادِينَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْحَوَارِيَّ النَّاصِرُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا نَدبَ النَّاسَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ، فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَدَبَهُمْ فانتدَبَ الزُّبَيْرُ –رضي الله عنه- فَقَالَ النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَاريًا وَحَوَارِيي الزُّبَيْرُ».

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشَجّ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران:53] قَالَ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ".

لأن هذه الأمة تبعًا لنبيها يشهدون على الأمم السابقة.

"ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مَلَأِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيمَا هَمُّوا بِهِ مِنَ الْفَتْكِ بِعِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَإِرَادَتِهِ بِالسُّوءِ والصَّلب، حِينَ تمالؤوا عَلَيْهِ وَوَشَوا بِهِ إِلَى مَلِكِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَكَانَ كَافِرًا، فأنْهَوا إِلَيْهِ".

أنهوا يعني: بلَّغوه.

"فأنْهَوا إِلَيْهِ أَنَّ هَاهُنَا رَجُلًا يُضِلُّ النَّاسَ، وَيَصُدُّهُمْ عَنْ طَاعَةِ الْمَلِكِ، ويفسد الرَّعَايَا، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَبِ وَابْنِهِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تَقَلَّدُوهُ فِي رِقَابِهِمْ".

وباؤوا بإثمه من الكذب.

"وَرَمَوْهُ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَأَنَّهُ وَلَدُ زَنِيَةٍ، حَتَّى اسْتَثَارُوا غَضَبَ الْمَلِكِ، فَبَعَثَ فِي طَلَبِهِ مَنْ يَأْخُذُهُ وَيَصْلُبُهُ ويُنَكّل بِهِ، فَلَمَّا أَحَاطُوا بَمَنْزِلِهِ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ظَفروا بِهِ، نَجَّاهُ اللَّهُ تعالى مِنْ بَيْنِهِمْ، وَرَفَعَهُ مِنْ رَوْزَنَة ذَلِكَ الْبَيْتِ إِلَى السَّمَاءِ، وَأَلْقَى اللَّهُ شَبَهَهُ عَلَى رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ عِنْدَهُ فِي الْمَنْزِلِ، فَلَمَّا دَخَلَ أُولَئِكَ اعْتَقَدُوهُ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ عِيسَى؛ فَأَخَذُوهُ وَأَهَانُوهُ وَصَلَبُوهُ، وَوَضَعُوا عَلَى رَأْسِهِ الشَّوْكَ. وَكَانَ هَذَا مِنْ مَكْرِ اللَّهِ بِهِمْ، فَإِنَّهُ نَجَّى نَبِيَّهُ وَرَفَعَهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِهِمْ، وَتَرَكَهُمْ فِي ضَلَالِهِمْ يَعْمَهُونَ، يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ قَدْ ظَفِرُوا بطَلبتِهم، وَأَسْكَنَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ قَسْوَةً وَعِنَادًا لِلْحَقِّ مُلَازِمًا لَهُمْ، وَأَوْرَثَهُمْ ذِلَّةً لَا تُفَارِقُهُمْ إِلَى يَوْمِ التَّنَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [آل عمران:54]".

يعني كما قال –جلَّ وعلا-: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} [النساء:157]، أُلقي شبهه على هذا الذي بات في بيته تلك الليلة كما حصل للنبي –عليه الصلاة والسلام- ليلة الهجرة، حيث ترك عليًّا –رضي الله عنه وأرضاه- ينام في فراشه، فظنَّه المشركون النبي –عليه الصلاة والسلام- خرج النبي –عليه الصلاة والسلام- من بين أيديهم وهم يرونه، ولكن الله ألقى عليهم، لما ذرَّ في عيونهم التراب وأخذ بأبصارهم خرج من بينهم.

والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد.