العلل لخفائها وغموضها لم يتكلم فيها إلا القليل النادر من الأئمة الكبار الحفاظ، بل قد يتكلم الواحد منهم بما لا يستطيع تعليله وتبريره، فيأتي السائل إلى الإمام الكبير من أئمة الحديث فيسأله، فيقول له الإمام: الحديث فيه علة، لكنه لا يستطيع التعبير عن هذه العلة؛ لأن هناك أمورًا تنقدح في ذهن المجتهد يصعب التعبير عنها، لكن يكفي السائل أنه يذهب إلى ثانٍ وثالثٍ ورابعٍ من الأئمة الكبار وكلهم يؤكدون بأن الحديث به علة، ولذا قال بعضهم: إن معرفتنا بهذا العلم إلهام، وقال آخر: إنه كهانة عند الجاهل، وذلك لأن الأصل أن من يحكم بشيء يعلل حكمه، فيقول: ضعيف؛ لكذا، لكنه إذا قال: معلّ، لا يستطيع تعليل حكمه، وإنما هو شيء ينقدح في ذهن المجتهد، وليس من سببه التشهي أو التحكم، فلا شك أنه ملكة تولدت عند هذا الإمام من طول الممارسة والخبرة، وكل علم من علوم الدنيا أو الآخرة مع طول الممارسة تنقدح في ذهن الممارس له الخبير به أمورٌ قد يعتبرها بعض الناس سحرًا.