التعليق على تفسير القرطبي - سورة الحاقة (01)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، قال الإمام القرطبي -رحمه الله تعالى-:

“سورة الحاقة مكية في قول الجميع، وهي إحدى وخمسون آية، روى أبو الزاهريةُ عن أبي هريرة قال..

الزاهريةِ..

روى أبو الزاهريةِ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة أُجير من فتنة الدجال، ومن قرأها كانت له نورًا يوم القيامة من فوق رأسه إلى قدمه».”

ماذا قال عنه؟

طالب: ..............

الحديث لا يثبت، وجل الأحاديث التي وُضعت في فضائل السور لا يثبت منها إلا الشيء اليسير، وقد وُضع في فضائلها سورة سورة أحاديث موضوعة ترغّب الناس في قراءة القرآن على حد زعم واضعها، وهذا جرم عظيم افتيات وكذب على الله ورسوله، ويزعم أنه يحسن صنعًا، وهو من شر الناس، نسأل الله العافية.

قوله تعالى:          الحاقة: ١ - ٢  يريد القيامة، سُميت بذلك؛ لأن الأمور تحقق فيها، قاله الطبري، كأنه جعلها من باب ليلِ نائم ليلُ نائم.”

ليلٌ نائم.

كأنه جعلها من باب ليلٌ نائم.”

والنوم ليس لليل، إنما يقع فيه النوم، ووقوع الأشياء في القيامة وقوع الأشياء التي هي حق وحقيقة إنما تحق فيها كما أن الليل يُنام فيه.

وقيل: سُميت حاقة؛ لأنها تكون من غير شك، وقيل: سميت بذلك..”

يعني من باب الحق الذي لا يقبل النقيض.

وقيل: سميت بذلك؛ لأنها أحقت لأقوام الجنة، وأحقت لأقوام النار، وقيل: سُميت بذلك؛ لأن فيها يصير كل إنسان حقيقًا بجزع عمله.”

يعني جديرًا به وخليقًا به.

وقال الأزهري: يقال: حاققته فحققته أحقه أي غالبته فغلبته، فالقيامة حاقة؛ لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل.”

يعني تغلب كل مخاصم.

أي كل مخاصم، وفي الصحاح: وحاقه أي خاصمه، وادعى كل واحد منهما الحق، فإذا غلبه قيل: حقه، ويقال في الرجل إذا خاصم في صغار الأشياء: إنه لترك الحقاق.”

لنزق إنه لنزق الحقاق.

إنه لنزق الحقاق.”

يعني يستقصي ما له من صغير وكبير يعني في توافه الأشياء تجده ما عنده مشكلة يحاقق ويخاصم ويستدعي خصمه إلى أماكن الخصومات عند القضاء عند أدنى شيء هذا نزق عند العرب.

ويقال: ما له فيه حق ولا حِقاق أي خصومة، والتحاق التخاصم، والاحتقاق الاختصام، وَالْحَاقَّةُ وَالْحَقَّةُ وَالْحَقُّ ثَلَاثُ لُغَاتٍ بِمَعْنًى. وقال الكسائي والمؤرج: الحاقة يوم الحق. وتقول العرب لما عرف الحقة مني هرب، والحاقة الأولى رُفع بالابتداء، والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو ما الحاقة.”

الحاقة مبتدأ، وما الحاقة ما: مبتدأ، والحاقة: خبره، والجملة من المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول.

وهو ما الحاقة؛ لأن معناها ما هي؟ واللفظ استفهام معناه التعظيم والتفخيم لشأنها كما تقول: زيد ما زيد على التعظيم لشأنه، وما أدراك ما الحاقة؟ استفهام أيضًا أي: أي شيء أعلمك ما ذلك اليوم؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان عالمًا بالقيامة، ولكن بالصفة فقيل تفخيمًا لشأنها: وما أدراك ما هي؟ كأنك لست تعلمها إذ لم تعاينها، وقال يحيى..

جاءت أوصاف يوم القيامة في الكتاب وصحيح السنة، يعلمها من يعلم هذه النصوص، لكن لما لم يرها فإن علمه بها النظري لا يعطيه العلم التفصيلي، وما تشتمل عليه من أهوال وعظائم، ولذا فُخمت القارعة: ١ - ٣ ،   النازعات: ٣٤ ، عبس: ٣٣  كل هذه من أسمائها؛ لعظم هولها وما جاء من النصوص في بيانها، وإن كان حقًّا يعطي شيئًا من التصور، لكنه لا يعطي التصور الكامل؛ لأنه ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء؛ لعظم هولها، وسمعنا من أوصاف الجنة وما أُعد لأهل الجنة، لكن الحقائق تختلف، هناك أمور لا تخطر على قلب بشر سواء كانت من أهوال القيامة وما أُعدَّ لأهل النار فيها وما أُعدّ لأهل الجنة فيها.

وقال يحيى بن سلّام: بلغني أن كل شيء في القرآن: وما أدراك، فقد أدراه إياه وعلّمه، وكل شيء قال: وما يدريك، فهو مما لم يعلمه. وقال سفيان بن عيينة: كل شيء قال فيه: وما أدراك، فإنه أُخبِر به، وكل شيء قال فيه: وما يدريك، فإنه لم يُخبَر به.”

وهنا ما أدراك الحاقة: ٣  يعني أعلمه بها وبأوصافها وما يكون فيها، لكن الساعة وما يدريك لعلة الساعة تكون قريبًا؛ لأنه لم يعلمه بوقتها.

قوله تعالى:   الحاقة: ٤  ذكر من كذّب بالقيامة، والقارعة القيامة سُميت بذلك؛ لأنها تقرع الناس بأهوالها.”

يعني تقرع القلوب بأهوالها.

يقال: أصابتهم قوارع الدهر أي أهواله وشدائده، ونعوذ بالله من قوارع فلان ولواذعه وقوارص لسانه جمع قارصة، وهي الكلمة المؤذية، وقوارع القرآن الآيات التي يقرؤها الإنسان إذا فزع من الجن أو الإنس نحو آية الكرسي كأنها تقرع الشيطان، وقيل: القارعة مأخوذة من القرعة في رفع قوم وحط آخرين، قاله المبرِّد، وقيل: عنى بالقارعة العذاب الذي نزل بهم في الدنيا وكان نبيهم يخوفهم بذلك فيكذبونه، وثمود قوم صالح، وكانت منازلهم بالحِجْر فيما بين الشام والحجاز، قال محمد بن إسحاق: وهو وادي القرى، وكانوا عُرْبًا، وأما عاد فقوم هود، وكانت منازلهم بالأحقاف، والأحقاف..”

مازالت آثار قوم صالح موجودة، وهي في وادي القرى يعني في العلا هناك، وهو مكان معروف ومحدد ومسور بأسلاك، والناس قد يرتاده بعضهم للسياحة، مع أننا نهينا أن ندخل مثل هذه الديار ديار أقوام معذبين إلا باكين أو متباكين.

وأما عاد فقوم هود وكانت منازلهم بالأحقاف، والأحقاف الرمل بين عمان إلى حضرموت واليمن كله وكانوا عرْبًا ذوي خلق وبسطة، ذكره محمد بن إسحاق، وقد تقدم قوله تعالى:    الحاقة: ٥  فيه إضمار أي بالفعلة الطاغية وقال قتادة أي بالصيحة الطاغية أي المجاوزة للحد أي لحد الصيحات من الهول كما قال: القمر: ٣١.”

وأما ثمود، هذا مصروف أم غير مصروف؟

طالب: غير مصروف.

ما الذي منعه من الصرف؟ هنا يقول كانوا عربًا.. صالح وهود لا شك أنها مصروفة   ﯞﯟ الأعراف: ٦٥   ﯙﯚ الأعراف: ٧٣  مصروفة، لكن ثمود.

طالب: ..............

كيف تكون عجمة وهم عرب؟ العلمية موجودة.

طالب: ..............

يقول: وكانوا عُرْبًا.

طالب: ..............

الاسم وإن كان لعربي إذا اجتمعت فيه العلل المانعة من الصرف يمنع من الصرف، ولو كان عربيًّا، فاطمة عربي أم أعجمي؟ عربي، ومع ذلك يُمنع من الصرف للعلمية والتأنيث، وهنا عند إرادة القبيلة، والقبيلة مؤنثة عند إرادة القبيلة تُمنع من الصرف، عند إرادة القوم تُصرف، يعني ما هو مؤنث القوم، وهنا فيه القبيلة، وهو ممنوع للعلمية والتأنيث.

طالب: ..............

لا، كلها على إرادة القبيلة.

كما قال:     القمر: ٣١  والطغيان مجاوزة الحد، ومنه: الحاقة: ١١  أي جاوز الحد، وقال الكلبي: بالطاغية بالصاعقة. وقال مجاهد: بالذنوب. وقال الحسن: بالطغيان، فهي مصدر كالكاذبة والعاقبة والعافية أي أهلكوا بطغيانهم وكفرهم، وقيل: إن الطاغية عاقر الناقة، قاله ابن زيد، فيكون على هذا أُهلكوا بالطاغية.”

أُهلكوا به يعني بسببه.

أي أهلكوا بما أقدم عليه طاغيتهم من عقر الناقة، وكان واحدًا، وإنما هلك الجميع؛ لأنهم رضوا بفعله ومالؤوه، وقيل له طاغية.”

وهكذا شأن العقوبات إذا نزلت عمت الصالح والطالح    ﯸﯹ الأنفال: ٢٥  العقوبة إذا نزلت عمت، ثم يُبعث الناس على نياتهم، وهذا يجعل المسؤولية كبيرة على جميع الناس، وكلٌّ عليه من المسؤولية بحسب قدرته وطاقته، فإذا تركوا الظالم ولم يأخذوا على يده عمهم الله وعاجلهم بالعقوبة.

وقيل له: طاغية كما يقال: فلان راوية الشعر وداعية..”

داهية.

وداهية وعلامة ونسّابة.”

فتكون الهاء للمبالغة هذه.

قوله تعالى: الحاقة: ٦  أي باردة تحرق ببردها كإحراق النار، مأخوذة من الصر وهو البرد، قاله الضحاك، وقيل: إنها الشديدة الصوت، وقال مجاهد: الشديدة السموم عاتية أي عتت على..”

نعم الصر البرد إذا اجتمع الريح، ومع البرد الشديد لا شك أنها أبلغ في الأذى والتأثير، والصرصر من الصرير وهو التصويت، ولا يُمنع أن تكون باردة شديدة البرودة ولها صوت، فيجتمع فيها الأمران، وأما بالنسبة للسموم فهو الحرارة، وإذا اجتمع مع الريح حرارة شديدة أحرقت وسواء كانت حارة شديدة الحرارة أو باردة شديدة البرودة كلها أمور من عذاب الله الذي لا يُطاق، ولم يقم له هؤلاء مع شدة بأسهم وعظم خلقهم.

عاتية..

طالب: ..............

نعم، إذا أراد القوم صرف، وإذا أريد القبيلة منع من الصرف، وهنا يراد القبيلة.

طالب: ..............

ما أريد، أريد القبيلة.

طالب: ..............

لكن ما أريد هنا، أريد القبيلة كثير ما يواجهك ألفاظ تصرف أحيانًا وتمنع أحيانًا مثل تأنيث الفعل تقول: قام الرجال، وقامت الرجال، إذا قلت: قام الرجال؛ لأن واحدهم رجل، وهو مذكر، وتقول: قامت الرجال، تريد جماعتهم، فمثل هذا يسلك إذًا لتمشية السياق.

طالب: ..............

مواضع العذاب ومواضع الخسف كلها منهي عنها.

طالب: ..............

ما يُمنع منه المسلم يُمنع منه غيره؛ لأنهم مخاطبون، هذا الأصل في الفروع.

عاتية أي عتت على خزانها فلم تطعهم ولم يطيقوها من شدة هَبوبها غضبت لغضب الله، وقيل: عتت على عاد فقهرتهم، روى سفيان الثوري عن موسى بن المسيب عن شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أرسل الله من نسمة من ريح إلا بمكيال، ولا قطرة من ماء إلا بمكيال، إلا يوم عاد ويوم نوح، فإن الماء يوم نوح طغى على الخُزّان فلم يكن لهم عليه سبيل، ثم قرأ:    الحاقة: ١١ ، والريح لما كان يوم عاد عتت على الخزان، فلم يكن لهم عليها سبيل ثم قرأ: الحاقة: ٦ » الحاقة: ٧  أي أرسلها وسلطها عليهم، والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار الحاقة: ٧.”

مع القدرة التامة عليه يقال له تسخير، ومع القدرة غير التامة يقال له أمر، أما التسخير فهو أشد من مجرد الأمر، مع لزوم التمثيل والامتثال.

طالب: ..............

هو ظاهر ضعفه، ففيه شهر بن حوشب وضعفه ظاهر، نعم ماذا يقول عنه؟

طالب: ..............

على كل حال لو كان موقوفًا يقال له حكم الرفع أو متلقًى من بني إسرائيل؛ لأن مثل هذا لا يقال بالرأي، لكن الخبر ضعيف كما قلنا فيه شهر بن حوشب، وهو مُضعّف عند الجمهور.

الحاقة: ٧  أي متتابعة لا تفتر ولا تنقطع، عن ابن عباس وابن مسعود وغيرهما، وقال الفراء: الحسوم اتباع من حسم الداء إذا كوي صاحبه؛ لأنه يكوى بالمكواة، ثم يتابع ذلك عليه.”

نعم مثل حسم القطع إذا قطع السارق حسمت يده بالزيت أو بالدهن؛ لئلا ينزف جرحه فيموت؛ لأن الحسم يسد أطراف العروق، ويمنع جريان الدم.

قال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:

ففرّق بين بينهم زمان

 

تتابع فيه أعوام حسوم

وقال المبرد: هو من قولك: حسست الشيء..

حسمت.

حسمت الشيء إذا قطعته وفصلته عن غيره، وقيل: الحسم الاستئصال، ويقال للسيف: حُسام؛ لأنه يحسم العدو عما يريده من بلوغ عداوته، وقال الشاعر:

حسام إذا قمت معتضدًا به

 

كفى العوذ منه البدء ليس بمعضد

والمعنى..”

يعني بمجرد البدء ينتهي الموضوع، ما فيه عَود ثانية، مجرد ما يبدأ ينحسم الموضوع.

والمعنى أنها حسمتهم أي قطعتهم وأذهبتهم، فهي القاطعة بعذاب الاستئصال، قال ابن زيد: حسمتهم فلم تُبقِ منهم أحدًا.”

مثل ما يقال: احسم الموضوع يعني أنهه على أي وجه كان.

وعنه أنها حسمت الليالي والأيام حتى استوعبتها؛ لأنها بدأت طلوع الشمس من أول يوم وانقطعت غروب الشمس من آخر يوم، وقال الليث: الحسوم الشؤم، ويقال: هذه ليالي الحسوم أي تحسم الخير عن أهلها، وقاله في الصحاح، وقال عكرمة والربيع بن أنس: مشائيم، دليله قوله تعالى: فصلت: ١٦ ، وقال عطية العوفي: حسومًا أي حسمت الخير عن أهلها، واختُلف في أولها فقيل: غداة يوم الأحد، قاله السدي، وقيل: غداة يوم الجمعة، قاله الربيع بن أنس، وقيل: غداة يوم الأربعاء، قاله يحيى بن سلّام ووهب بن منبه، قال وهب: وهذه الأيام هي التي تسميها العرب أيام العجوز ذات برد وريح شديدة، وكان أولها يوم الأربعاء وآخرها يوم الأربعاء، ونُسبت إلى العجوز؛ لأن عجوزًا من عاد دخلت سربًا فتبعتها الريح فقتلتها في اليوم الثامن، وقيل: سميت أيام العجوز؛ لأنها وقعت في عجز الشتاء، وهي في آذار من شهر السريانيين.”

من أشهر.

وهي في آذار من أشهر السريانيين، ولها أسامٍ مشهورة، وفيها يقول الشاعر، وهو ابن أحمر:

كسع الشتاء بسبعة غر

 

أيام شهلتنا من الشهر

فإذا انقضت أيامها ومضت

 

صِن وصبر مع......"

 

صَن أيش؟

 

".........................

 

صِن وصنبر مع الوبر

وبآمر وأخيه مؤتمر

 

.......................

صن صنّبر أو صِنّبر مثل سنّور.

......................

 

صن وصنّبر مع الوبر

وبآمر وأخير مؤتمر

 

ومعلل وبمطفئ الجمر

ذهب الشتاء موليًا عجلاً

 

وأتت كواقدة من النجر

يعني من الحر إذا انتهى الشتاء جاء الحر،تتأتت

 نعم هذه الأيام الحسوم، كم عددها؟ يقول:

كسع الشتاء بسبعة غر

 

..........................."

غبر.

غُبْرِ بالباء؟

غُبْرِ نعم الباء ساقطة، غبر، والسكون دليل عليها.

هؤلاء أهلكوا في هذه الأيام الثمانية التي تكرر فيها يوم واحد مرتين، والأكثر على أنه الأربعاء، ولذا لما دعا النبي -عليه الصلاة والسلام- في إحدى الغزوات في حديث جابر وغيره يوم الاثنين فما أُجيب، ثم دعا يوم الثلاثاء فما أُجيب، ثم دعا يوم الأربعاء بين الصلاتين فأُجيب، وهذا مخرّج عند الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد، وعند غيرهما من الأئمة ومصحح أيضًا.

طالب: ..............

والله إني ما أذكره الآن أموجودة هي؟ مذكورة هي..؟ أجيب يوم الأربعاء، فمن أهل العلم من يقول إن في هذا الوقت ساعة إجابة بين الصلاتين الظهر والعصر من يوم الأربعاء من كل أسبوع، ومنهم من يقول إنه كان إذا دعا دعا ثلاثًا فدعا في الأولى ثم دعا في الثانية ثم أجيب في الثالثة -عليه الصلاة والسلام-.

طالب: ..............

الذي يظهر أنه كلها بين الصلاتين، وعلى كل حال فالجواب إجابته يوم الأربعاء بين الصلاتين.

وحسومًا نصب على الحال، وقيل: على المصدر، قال الزجاج: أي تحسمهم حسومًا أي تفنيهم، وهو مصدر مؤكد، ويجوز أن يكون مفعولاً له.”

مفعول لأجله.

أي سخرها عليهم هذه المدة؛ للاستئصال أي لقطعهم واستئصالهم، ويجوز أن يكون جمع حاسم، وقرأ السُّدي حُسومًا.”

حَسومًا.

حَسومًا بالفتح حالاً من الريح أي سخرها عليهم مستأصلة. قوله تعالى: الحاقة: ٧  أي في تلك الليالي والأيام صرعى جمع صريع يعني موتى وقيل فيها أي في الريح كأنهم أعجاز أي أصول نخل خاوية..”

فترى القوم فيها يعني في الريح كأنهم أعجاز نخل خاوية، أصول عجز الشيء أصله يعني أساسه.

نخل خاوية أي بالية، قاله أبو الطفيل، وقيل: خالية الأجواف لا شيء فيها، والنخل يُذكر ويؤنث، وقد قال تعالى: في موضع آخر:    القمر: ٢٠  فيُحتمل أنهم شبهوا بالنخل التي صرعت من أصلها، وهو إخبار عن عِظَم أجسامهم، ويحتمل أن يكون المراد به الأصول دون الجذوع أي إن الريح قد قطّعتهم حتى صاروا كأصول النخل خاوية أي الريح كانت تدخل أجوافهم فتصرعهم كالنخلة الخاوية الجوف، وقال ابن شجرة: كانت الريح تدخل في أفواههم فتَخرج.”

تُخرِج.

فتُخرِج ما في أجوافهم من الحشو من أدبارهم، فصاروا كالنخل الخاوية. وقال يحيى بن سلّام: إنما قال خاوية؛ لأن أبدانهم خوت من أرواحهم مثل النخل الخاوية، ويحتمل أن يكون المعنى..”

أو الأبدان خوت مما تشتمل عليه من الحشو التي أخرجتها الريح، وأما كونها خلت من الأرواح فهذا هو نتيجة الموت، نسأل الله العافية.

ويحتمل أن يكون المعنى كأنهم أعجاز نخل خاوية عن أصولها من البقاع كما قال تعالى:    النمل: ٥٢  أي خربة لا سكّان فيها، ويحتمل الخاوية بمعنى البالية كما ذكرنا؛ لأنها إذا بليت خلت أجوافها، فشُبهوا بعد أن هلكوا بالنخل الخاوية. قوله تعالى: ﯿ الحاقة: ٨  أي من فرقة باقية أو نفس باقية، وقيل: من بقيّة، وقيل: من بقاء فاعلة بمعنى المصدر نحو العاقبة والعافية، ويجوز أن يكون اسمًا أي هل تجد لهم أحدًا باقيًا، وقال ابن جرير: كانوا سبع ليالٍ وثمانية أيام أحياء في عذاب الله من الريح، فلما أمسوا في اليوم الثامن ماتوا، فاحتملتهم الريح فألقتهم في البحر، فذلك قوله -عز وجل-: ﯿ الحاقة: ٨.”

يعني أن هذه الريح بعد أن أماتتهم وقتلتهم نظفت الأرض من آثارهم كأنهم ما وطئوا عليها ﯿ الحاقة: ٨  من بقية تدل عليهم من عين أو أثر.

وقوله -عز وجل-: ﮥﮦ الأحقاف: ٢٥.  قوله تعالى: الحاقة: ٩  قوله: الحاقة: ٩  قرأ أبو عمرو والكسائي: ومن قِبَله بكسر القاف وفتح الباء أي ومن معه وتبعه من جنوده، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم اعتبارًا بقراءة عبد الله وأبيّ ومن معه، وقرأ أبو موسى الأشعري: ومن تلقى..”

تلقاءه.

ومن تلقاءه، والباقون قبله بفتح القاف وسكون الباء أي ومن تقدمه من القرون الخالية والأمم الماضية، والمؤتفكات أي أهل قرى لوط، وقراءة العامة بالألف، وقرأ الحسن والجحدري والمؤتفكة على التوحيد، قال قتادة: إنما سُمّيت قرى قوم لوط مؤتفكات؛ لأنها ائتفكت بهم أي انقلبت، وذكر الطبري عن محمد بن كعب القرظي قال: خمس قريات صبعة وصعرة وعمرة ودوما وسدوم، وهي القرية العظمى، بالخاطئة أي بالفعلة الخاطئة، وهي المعصية والكفر، وقال مجاهد: بالخطايا التي كانوا يفعلونها، وقال الجرجاني: أي بالخطأ العظيم، فالخاطئة مصدر.”

المؤلف في تفسير سورة هود ذكر أن هذه الأمم التي عُجِّلت عقوباتها لم يكن العقوبة من أجل الشرك، وإنما من أجل ما اختصت به كل أمة من ذنب غير الشرك، يعني الشرك أعظم الذنوب بلا شك، لكن هناك عقوبات تُعجل إذا تواطأت عليها المجتمعات، واتفقت عليها من غير نكير استحقوا تعجيل العقوبة، ولذا ترون في بعض المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام يحل عليها عقوبات ومثلات على مر التاريخ، وتجدون أمم الكفر قد يحل عليها، لكن وهم مستحقون لغضب الله وأليم عقابه متوعَّدون بالنار ومخلدون فيها، لكن لا تعجل لهم العقوبة، وهذا سبق أن أشار إليه المؤلف -رحمه الله- في تفسير سورة هود، فقوم لوط عُوجلوا لما تواطؤوا عليه من فعل الفاحشة، وأولئك عُوجلوا لما تواطؤوا عليه من تطفيف مكيال وميزان إلى غير ذلك من الذنوب التي يشترك فيها المجتمع كاملًا، ولا ينكر بعضهم على بعض، يتواطؤون عليه، إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يده أوشك أن يعمهم الله بعقابه، والناس مع ما يعيشون فيه من نعم ورغد عيش ويقابلونها بالجحود وعدم الشكر والمعاصي والفجور يُخشى عليهم من مثل هذا، وإن كان فيهم دين، وإن كان فيهم خير، والدين -ولله الحمد- ظاهر وموجود، لكن الإشكال في الخبث الذي كثر في الحديث الصحيح في البخاري: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: «نعم، إذا كثر الخبث»، الإشكال في الخبث إذا كثر، وإلا فالدين هو الأصل، والخير موجود، والمتدينون كثر، والمساجد تُعمر، ودروس العلم -ولله الحمد- موجودة، وشيء من الأمر والنهي على ضعف موجود، لكن لضعف الأمر والنهي كثر الخبث، وقد عُلقت عليه العقوبة والهلاك، فهذا الذي يُخشى منه ويحذر منه.

قوله تعالى: الحاقة: ١٠  قال الكلبي: هو موسى، وقيل: هو لوط؛ لأنه أقرب، وقيل: عنى موسى ولوطًا -عليهما السلام- كما..”

لأن (رسول) جنس وعصوا الرسل.

كما قال تعالى: الشعراء: ١٦.”

وهما اثنان.

وقيل: رسول بمعنى رسالة، وقد يعبر عن الرسالة بالرسول، قال الشاعر:

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم

 

بسر ولا أرسلتهم برسول

الحاقة: ١٠  أي عالية زائدة على الأخذات وعلى عذاب الأمم، ومنه الربا إذا أخذ في الذهب والفضة أكثر مما أعطى يقال..”

أو غيرها أو غير الذهب والفضة مما يجري فيه الربا إذا أخذ أكثر مما أعطى، وقد أعطى نفس الجنس هذا عين الربا.

يقال: ربا الشيء يربو أي زاد وتضاعف، وقال مجاهد: شديدة، كأنه أراد زائدة في الشدة. قوله تعالى الحاقة: ١١  أي ارتفع وعلا وقال علي -رضي الله عنه-: طغى على خُزَّانه من الملائكة، غضب لربه فلم يقدروا على حبسه، قال قتادة: زاد على كل شيء خمسة عشر ذراعًا، وقال ابن عباس: طغى الماء زمن نوح على خُزَّانه فكثر عليهم فلم..”

خمسة عشر ذراعًا قامة الرجل لا تزيد على أربعة أذرع، ووصل المطر والسيل إلى العانة أو منتصف البدن، ومع ذلك تلف فيه ما تلف، وحصل بسببه الضرر العظيم وهو لا يغطي القامة، فكيف لو زاد قليلاً؟ نسأل أن يلطف بالمسلمين.

وقال ابن عباس: طغى الماء زمن نوح على خُزَّانه، فكثر عليهم، فلم يدروا كم خرج وليس من الماء قطرة تنزل قبله ولا بعده إلا بكيل معلوم غير ذلك اليوم، وقد مضى هذا مرفوعًا أول السورة.”

يعني من حديث ابن عباس، وفيه شهر، وقد تقدم الكلام فيه.

والمقصود من قِصص هذه الأمم وذكر ما حل بهم من العذاب زجر هذه الأمة عن الاقتداء بهم في معصية الرسول، ثم منَّ عليهم.”

يعني مثل ما جاء في الأثر: مضى القوم ولم يُرد به سوانا يعني هذه القصة ليست مجرد تسلية، إنما       ﯱﯲ يوسف: ١١١  فالقوم مضوا واستحقوا ما استحقوا، وعوقبوا بما عوقبوا به، لكن المراد هذه الأمة؛ لتعتبر وتتعظ وتتذكر وتزدجر.

ثم منّ عليهم بأن جعلهم ذرية من نجا من الغرق بقوله: حملناكم أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم في الجارية أي في السفن الجارية، والمحمول في الجارية نوح وأولاده، وكل من على وجه الأرض من نسل أولئك.   الحاقة: ١٢  يعني سفينة نوح -عليه الصلاة والسلام- جعلها الله تذكرة..”

من كلٍّ زوجين    هود: ٤٠  كل ما على وجه الأرض الآن من نسل أولئك، من نسل هذين الزوجين، من كل جنس ومن كل نوع.

جعلها الله تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم في قول قتادة، قال ابن جريج: كانت ألواحها على الجودي، والمعنى أبقيت لكم تلك الخشبات حتى تذكروا ما حل بقوم نوح وإنجاء الله آباءكم، وكم من سفينة هلكت وصارت ترابًا، ولم يبقَ منها شيء. وقيل: لنجعل تلك الفعلة من إغراق قوم نوح وإنجاء من آمن معه موعظة لكم، ولهذا قال الله تعالى: الحاقة: ١٢  أي تحفظها وتسمعها أذن حافظة لما جاء من عند الله، والسفينة لا تُوصف بهذا، قال الزجّاج: ويقال وعيت كذا أي حفظته في نفسي، أعيه وعيًا، ووعيت العلم، ووعيت ما قلت كله بمعنى، وأوعيت المتاع في الوعاء، قال الزجاج: يقال لكل ما حفظته في غير نفسك أوعيته بالألف، ولما حفظته في نفسك وعيته بغير ألف.”

يعني ما حفظته في وعاء في ظرف تقول: أوعيته، وما حفظته في نفسك تقول: وعيته، الواعي خلاف النائم؛ لأن النائم من شأنه ألا يحفظ بخلاف الواعي المتيقظ.

وقرأ طلحة وحميد والأعرج: وتعيها بإسكان العين تشبيهًا بقوله: (أرنا)، واختلف فيها عن عاصم وابن كثير، والباقون بكسر العين، ونظير قوله تعالى: الحاقة: ١٢         ق: ٣٧  وقال قتادة: الأذن الواعية أذن عقلت عن الله تعالى وانتفعت بما سمعت من كتاب الله -عز وجل-.”

يعني هي الأذن التي تنفع صاحبها، وهذا القلب الذي ينفع صاحبه، وأما مجرد وجود الآلة الأذن ووجود السمع، ووجود القلب الذي لا يعي، ووجود السمع الذي لا يحفظ، فهذا كله وجوده مثل عدمه، هذه النعم حقيقة لمن استغلها فيما يرضي الله -جل وعلا-، فالذي لم يستغلها فهذا لا شك أنها في حقه ليست نعمة، فضلاً عن كونه يستغلها فيما يغضب الله -جل وعلا-.

وروى مكحول أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عند نزول هذه الآية: «سألت ربي أن يجعلها أذن عليّ» قال مكحول: فكان علي -رضي الله عنه- يقول: ما سمعت من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شيئًا قط فنسيته إلا وحفظته، ذكره الماوردي، وعن الحسن نحوه، ذكره الثعلبي قال: لما نزلت الحاقة: ١٢  قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سألت ربي أن يجعلها أذنك يا علي”قال علي: فوالله ما نسيت شيئًا بعد، وما كان لي أن أنسى. وقال أبو برزة الأسلمي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي: «يا علي إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلِّمك وأن تعي وحق على الله أن تعي».”

أما بالنسبة للحديث الأول فهي مراسيل لا تثبت بها حجة، وحديث أبي برزة نقله هكذا معلقًا لا يدرى ما إسناده، ماذا قال عنه؟ ماذا قال عن الأحاديث هذه كلها؟

طالب: ...................

علامات الوضع عليها ظاهرة، وعلي -رضي الله عنه- ابتُلِي بمن يضع في مناقبه وفضائله وليس بحاجة إلى شيء من هذا؛ لأن مناقبه الثابتة الصحيحة أكثر من أن تحصر، وله من المناقب ما هو أعظم من هذا، لكن ابتُلِي بمن يضع في فضله، فشوهوا سمعته وصورته بهذه الأخبار الموضوعة، وهم يحسبون أنهم يحسنون إليه، ويذودون عنه، ويدافعون عنه، والله المستعان؛ لأن الخبر أو الدليل الضعيف يُضعف، ولو وجد أدلة قوية؛ لأن الخصم ينشغل بالضعيف، الآن لو عندك مسألة لها دليل من الكتاب، ودليل أو أدلة من صحيح السنة، ثم حشدت هذه الأدلة وأوردت معها أخبارًا موضوعة وضعيفة، فالخصم ينشغل بهذه الأخبار، ويرد عليها، والقارئ والسامع يظن أن ما عندك غيرها، فينشغل بها عن الصحيح، فلو اقتصر الناس على ما ثبت لاستقامت حجتهم وما ضعفت، ولا انشغل الخصم بالرد عليها، صارت أدلة ملزمة مفحمة، بخلاف ما إذا جمعوا إلى ما صح ما ضعف وما بطل، مثل هذا وهذه طريقتهم طريقة الرافضة ما يكتفون بالصحيح، يضعون، ووجد من الجُهَّال ممن ينتسب إلى السنة من أتباع المذاهب المتعصبة لمذاهبهم وضعوا في فضائل أئمتهم، وهذا لا شك أنه ضلال -نسأل الله العافية- «من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار»، يعني يعرض نفسه لهذا الوعيد الشديد من أجل فلان؟! وإن كان من الأئمة هذا الإمام يرفعه الله بعلمه، ولا يلزم أن يوجد فيه نص؛ لأنه تأخر عن وقت النصوص، ووضع في فضائل أبي حنيفة أحاديث مرفوعة، ووضع في حديث مالك، ووضع في حديث الشافعي، ووضع حديث في فضائل غيره من الأئمة، ووصل الحد ببعض التبع بعض المقلدة إلى الغلو وإلى إنزال أئمتهم منزلة يستحق العبادة وهو الله -جل وعلا-، ووجد من يحرّف النصوص ويتأوّل ويلوي أعناق النصوص من أجل إمامه، ووجد من يطعن في الأئمة في خيار الأمة من أجل إمامه، لا شك أن هذا خذلان، إمامك بقدر ما عنده من علم وعمل تكون منزلته عند الله -جل وعلا-، وليس بحاجة إليك فضلاً عن خيار الأمة وسادات الأمة من الصحابة لاسيما كبارهم كالأئمة كالخلفاء الأربعة.

قوله تعالى:      الحاقة: ١٣  قال ابن عباس: هي النفخة الأولى لقيام الساعة فلم يبقَ أحد إلا مات، وجاز تذكير نفخ؛ لأن تأنيث النفخة غير حقيقي، وقيل: إن هذه النفخة هي الأخيرة، وقال: نفخة واحدة أي لا تُثنّى قال الأخفش: ووقع الفعل على النفخة إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع، فقيل نفخة..”

نفخة البعث يقول هي النفخة الأولى لقيام الساعة، ما معنى لا تكرر ولا تثنى؟ هي كافية في قيام الساعة بمعنى أنه لا ينفخ فيه مرة ثانية لقيام الساعة، إنما ينفخ فيه مرة ثانية للبعث فيه نفخة الفزع والصعق، المقصود أنها ثلاث نفخات نفخة الساعة التي يموت فيها الناس: نفخة يصعقون، ونفخة يموتون فيها، ونفخة يبعثون.

وقيل: إن هذه النفخة هي الأخيرة، وقال: نفخة واحدة أي لا تثنى، قال الأخفش: ووقع الفعل على النفخة إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع، فقيل: نفخة، ويجوز نفخةً نصبًا على المصدر، وبها قرأ أبو السِّمال أو يقال: اقتصر على الإخبار عن الفعل كما تقول: ضرب ضربًا، وقال الزجاج: في الصور يقوم مقام ما لم يُسم فاعله.”

يعني نائب الفاعل والجار والمجرور في الصور، وعلى هذا ينتصب لفظ نفخة، وعلى رفعه هو نائب الفاعل.

قوله تعالى الحاقة: ١٤  قراءة العامة بتخفيف الميم أي رُفعت..”

حملت بالتخفيف..

الحاقة: ١٤  قراءة العامة بتخفيف الميم أي رُفعت من أماكنها فدكتا أي فتتتا وكسرتا دكة واحدة، لا يجوز في دكةً إلا النصب؛ لارتفاع الضمير في دكتا، وقال الفراء: لم يقل فدككن؛ لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة، والأرض كالجملة الواحدة، ومثله..”

وإلا فالأرضون سبع، والجبال لا حصر لها ولأجل مجموعها يجمع الضمير العائد إليها، لكنه نظر إلى أنهما مجموعتان مجموعة أراضين ومجموعة جبال، وصح أن يعود الضمير عليهما بالتثنية مثل: {قالتا أتينا طائعين} يعني سبع وسبع مجموعتان، وإن طائفتان يجوز إعادة الضمير على الجمع على اعتبار أنها جمع الحجرات: ٩ ، هذا بالنسبة لأفرادهم جمع ﮟﮠ الحجرات: ٩  بين الطائفتين.

ومثله {أن السموات والأرض كانتا رتقًا} ولم يقل كنَّ، وهذا الدك كالزلزلة كما قال تعالى: الزلزلة: ١  وقيل: دُكتا أي بسطتا بسطة واحدة، ومنه اندك سنام البعير إذا انفرش في ظهره، وقد مضى في سورة..”

الأرض إذا لم تكن مستوية وأُريد تسويتها فإنها تُدك بالآلات الثقيلة من أجل أن تستوي وتنبسط.

وقد مضى في سورة الأعراف القول فيه، وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر: وحمّلت الأرض والجبال بالتشديد على إسناد الفعل إلى المفعول الثاني، كأنه في الأصل: وحمّلت قدرتنا أو ملكًا من ملائكتنا الأرض والجبال، ثم أسند الفعل إلى المفعول الثاني، فبُني له، ولو جيء بالمفعول الأول لأسند الفعل إليه، فكأنه قال: وحمّلت قدرتُنا الأرض، وقد يجوز بناؤه للثاني على وجه القلب، فيقال: حمّلت الأرض الملك، كقولك أُلبس زيد الجبة، وأُلبست الجبة زيدًا.”

الأصل أن الذي ينوب عن الفاعل هو المفعول الأول، المفعول الأول هو الأولى بالنيابة عن الفاعل من المفعول الثاني، لكن يجوز أن ينوب الثاني كما تقول: أُعطي زيدٌ درهمًا، أو أعطي زيدًا درهمٌ مثل ما ذكر هنا: أُلبس زيدٌ الجبةَ، وأُلبس الجبةُ زيدًا؛ لأن كلًّا منهما يصح أن يكون نائبًا عن الفاعل، لكن الأولى بالنيابة هو المفعول الأول، وهو الذي يصح أن يكون آخذًا، ويبقى ما يصح أن يكون مأخوذًا على النصب، ففي أُعطي زيدٌ درهمًا: زيد هو المفعول الأول، ويصح أن يكون آخذًا هو الآخذ في الحقيقة، والدرهم مأخوذ، والآخذ اسم فاعل، والمأخوذ اسم مفعول، واسم الفاعل أولى بالنيابة من اسم المفعول.

قوله تعالى: ﭿ الحاقة: ١٥  أي قامت القيامة. الحاقة: ١٦  أي انصدعت وتفطرت وقيل: تنشق لنزول ما فيها من الملائكة، دليله قوله تعالى:          الفرقان: ٢٥ ، وقد تقدم. الحاقة: ١٦  أي ضعيفة يقال: وهى البناء يهي وهيًا فهو واهٍ، إذا ضعف جدًّا، ويقال: كلام واهٍ أي ضعيف، فقيل: إنها تصير بعد صلابتها بمنزلة الصوف في الوهي، ويكون ذلك لنزول الملائكة كما ذكرنا، وقيل: لهول يوم القيامة، وقيل: واهية أي متخرقة، قاله ابن شجرة، مأخوذ من قولهم: وهى السقاء إذا تخرّق، ومن أمثالهم خل..”

التعبير بالواهية عن شدة الضعف، ومنه أخذ أهل العلم في تجريح الرواة اشتد ضعف الراوي قيل: واهٍ، والثوب إذا بَلي وصار بصدد أن يتمزق بسرعة أو يقطعه أدنى شيء قالوا: واهٍ، نعم وهو أشد من الضعف.

طالب: ...................

الواهية لأنها تتخذ الوهى خشية الضعف خشية الوهى، فهي لا تزيده إلا ضعفًا، ووهن.

ومن أمثالهم: خل سبيل من وهى سقاؤه، ومن هريق بالفلاة ماؤه أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه. والملك يعني الملائكة اسم للجنس. على أرجائها أي على أطرافها حين تنشق؛ لأن السماء مكانهم، عن ابن عباس، وقال الماوردي: ولعله قول مجاهد وقتادة، وحكاه الثعلبي عن الضحاك قال: على أطرافها مما لم ينشق منها، يريد أن السماء مكان الملائكة، فإذا انشقت صاروا في أطرافها. وقال سعيد بن جبير: المعنى والملك على حافات الدنيا أي ينزلون إلى الأرض، ويحرسون أطرافها، وقيل: إذا صارت السماء قطعًا تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها، وقيل: إن الناس إذا رأوا جهنم هالتهم، فيندوا كما تند الإبل فلا يأتون...”

يشردون ويهربون.

فلا يأتون قطرًا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة، فيرجعون من حيث جاؤوا، وقيل: على أرجائها ينتظرون ما يؤمرون به في أهل النار من السوق إليها، وفي أهل الجنة من التحية والكرامة، وهذا كله راجع إلى معنى قول ابن جبير، ويدل عليه:          الفرقان: ٢٥ ، وقوله تعالى:   الرحمن: ٣٣  على ما بيناه هناك، والأرجاء: النواحي والأقطار بلغة هذيل، واحدها رجى مقصور، وتثنيته رجوان مثل عصى وعصوان، قال الشاعر:

فلا يرمى بي الرجوان إني

 

أقل القوم من يغني مكاني

ويقال ذلك لحرف البئر والقبر. قوله تعالى: الحاقة: ١٧.”

حرف البئر والقبر طرفه، وجاء في معناها في أول الأمر أنها أطراف الأرض.

قوله تعالى الحاقة: ١٧  قال ابن عباس: ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عددهم إلا الله. وقال ابن زيد: هم ثمانية أملاك. وعن الحسن: الله أعلم كم هم ثمانية أم ثمانية آلاف. وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن حملة العرش اليوم أربعة، فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله تعالى بأربعة آخرين، فكانوا ثمانية، ذكره الثعلبي.”

ويشهد له قوله: يومئذٍ، مما يدل على أنهم قبل هذا اليوم ليسوا ثمانية، وإنما هم في هذا اليوم ثمانية، هذا من حيث المعنى، وأما من حيث السند فماذا يقول؟

طالب: ...................

وخرَّجه الماوردي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يحمله اليوم أربعة، وهم يوم القيامة ثمانية»، وقال العباس بن عبد الملك: هم ثمانية أملاك على صورة الأوعال. ورواه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي الحديث: «إن لكل ملك منهم أربعة أوجه».”

حديث الأوعال معروف أنه ضعيف عند أهل العلم.

طالب: ...................

لا.

طالب: ...................

العباس بن عبد الملك يقول وما أدري والله..

طالب: ...................

يعني هل هذا مما يليق بالعباس عم النبي -عليه الصلاة والسلام- مثل هذا الكلام يعني يُنسب إليه ثمانية أملاك على صورة الأوعال يعني عُرف بتفسير؟!

طالب: ...................

محال أو شيء؟

طالب: ...................

مثبت ممن؟ كيف أثبته؟

طالب: ...................

على كل حال يعني إذا ذكره المؤلف فينبغي أن يثبت عبد المطلب نعم، أنا أقول إذا ذكره المؤلف فيثبت ما في الرواية بغض النظر عن هل كون هذه الرواية صحيحة أو غير صحيحة، ولا يثبت ما جاء في خلافها مما لا أصل له ألبتة مثل ما عندنا عبد الملك، هذا ما له، لكن أنا ما أعرف العباس، يعني حفظ عنه شيء في التفسير ليكون هذا منه مادام مرويًا مخرجًا في السنن، وعلى كل حال هو ضعيف ما يثبت، حديث الأوعال معروف.

وفي الحديث: «إن لكل ملَك منهم أربعة أوجه، وجه رجل، ووجه أسد، ووجه ثور، ووجه نسر، وكل وجه منها يسأل الله تعالى الرزق» لذلك الجنس، ولما أُنشد بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- قول أمية بن أبي الصلت:

رجل وثور تحت رجل يمينه

 

والنسر للأخرى وليث مرصد

والشمس تطلع كل آخر ليلة

 

حمراء يصبح لونها يتورد

ليست بطالعة لهم في رسلها

 

إلا معذبة وإلا تجلد

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «صدق»، وفي الخبر أن فوق السماء السابعة..”

زحل بدل رجل؟

طالب: ...................

لكن ما يظهر هذا هو ما هو يذكر أنواء ولا نجوم، وإنما يذكر أصناف وأجناس هذه الأصناف الأربعة ما هي مناسبة لما جاء في الخبر على ضعفه، ما في الأبيات رجل مناسب لما في الخبر وجه رجل ووجه أسد الحيوان المعروف ووجه ثور ووجه نسر.

طالب: ...................

إيه رجل.

وفي الخبر: أن فوق السماء السابعة ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن مثل ما بين سماء إلى سماء، وفوق ظهورهن العرش، ذكره القشيري، وخرجه الترمذي من حديث العباس بن عبد المطلب، وقد مضى في سورة البقرة بكماله، وذكر نحوه الثعلبي، ولفظه وفي حديث مرفوع أن حملة العرش ثمانية أملاك على صورة الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عامًا للطائر المسرع، وفي تفسير الكلبي ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، وعنه ثمانية أجزاء من عشرة أجزاء من الملائكة، ثم ذكر عدة الملائكة بما يطول ذكره، حكى الأول عنه الثعلبي، والثاني القشيري، وقال الماوردي عن ابن عباس: ثمانية أجزاء من تسعة، وهم الكروبيون، والمعنى ينزل بالعرش ثم إضافة العرش إلى الله تعالى كإضافة البيت، وليس البيت للسكنى، فكذلك العرش، ومعنى فوقهم أي فوق رؤوسهم، قال السُّدي: العرش..”

ليس البيت للسكنى معروف أن البيت الحرام ليس إضافته لله معناه أن الله -جل وعلا- يسكن، وكذلك عرش ربك، عرش، الله ليس معناه أنه يقله ويحمله لا، إنما يستوي عليه من غير أن يكون مقلاًّ له تعالى الله عن ذلك، الله -جل وعلا- أعظم من أن يقله مخلوق بائن من خلقه.

قال السدي: العرش تحمله الملائكة الحملة فوقهم، ولا يحمل حملة العرش إلا الله، وقيل: فوقهم أي إن حملة العرش فوق الملائكة الذين في السماء على أرجائها، وقيل: فوقهم أي فوق أهل القيامة، قوله تعالى: الحاقة: ١٨  أي على الله دليله: الكهف: ٤٨  وليس ذلك عرضًا يعلم به ما لم يكن عالمًا به، بل معناه الحساب وتقرير الأعمال عليهم للمجازاة، وروى الحسن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرْضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعند ذلك تطير الصحف في الأيدي، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله» خرّجه الترمذي قال: ولا يصح من قِبَل أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة.”

وأما ما ذكر عنه من قوله: حدثنا أبو هريرة، فالمراد أنه حدث أهل المدينة وهو فيها، وهذا من تدليس الحسن -رحمه الله-.

لا تخفى منكم خافية أي هو عالم بكل شيء من أعمالكم، فخافية على هذا بمعنى خفية كانوا يخفونها من أعمالهم، قال ابن شجرة: وقيل: لا يخفى عليه إنسان أي لا يبقى إنسان لا يحاسب، وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: لا يخفى المؤمن من الكافر ولا البر من الفاج،ر وقيل: لا تستتر منكم عورة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «يحشر الناس حفاة عراة»، وقرأ الكوفيون إلا عاصمًا: لا يخفى بالياء؛ لأن تأنيث الخافية غير حقيقي نحو..”

إذا كان التأنيث غير حقيقي جاز التذكير والتأنيث.

نحو قوله تعالى: هود: ٦٧  واختاره أبو عبيد؛ لأنه قد حال بين الفعل وبين الاسم المؤنث الجار والمجرور، والباقون بالتاء، واختاره أبو حاتم؛ لتأنيث الخافية.”

اللهم صل على محمد..

"